الضرائب والتجارة غير المشروعة بمنتجات التبغ وعلاقتها بتمويل الإرهاب في المنطقة

تاريخ الإضافة الأربعاء 18 تشرين الثاني 2015 - 7:03 ص    عدد الزيارات 695    التعليقات 0

        

 

الضرائب والتجارة غير المشروعة بمنتجات التبغ وعلاقتها بتمويل الإرهاب في المنطقة
ناصر السعيدي  ... * وزير الاقتصاد اللبناني سابقاً، يرأس في دبي شركة تحمل اسمه وتعنى بالاستشارات الحكومية والمصارف المركزية والشركات العالمية والإقليمية
تعتبر الضرائب المفروضة على التبغ إجراءً تدبيرياً في إطار «برنامج السـياسات الست» الصادر عن منظمة الصحة العالميّة، الذي يهدف إلى مساعدة البلدان في تطبيق الإصلاحات الضريبيّة الفعّالة لخفض حجم الطلب على التبغ. وسلط تقرير «الإحصاءات الصحية العالميّة 2015 عن وباء التبغ العالمي»، التابع لمنظمة الصحة العالميّة، الضوء على زيادة الضرائب على التبغ وتأثيرها في تحقيق الهدف الصحي المتمثّل في خفض استهلاك التبغ بسبب تأثيره على أسعار التجزئة. والهدف هو وضع سياسات ضريبيّة على التبغ لتحقيق أهداف مزدوجة للحد من استخدامه وتحصيل الإيرادات. ومع ذلك، من المرجح أن تؤدي زيادة الضرائب على التبغ في منطقة الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي إلى زيادة الإتجار غير المشروع بمنتجاته، وبالتالي إلى تمويل مجموعات إجرامية منظمة (OCGs) ومنظمات إرهابية تعمل داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
فما الذي يمكن أن تفعله الحكومات الإقليمية حيال ذلك؟
أعلنت وزارات الصحة في دول مجلس التعاون الخليجي أخيراً تأييدها للدعوة إلى استحداث ضريبة القيمة المضافة وزيادة الرسوم الجمركيّة (100 في المئة) على منتجات التبغ. وهناك موضوعان مهمّان على صلةٍ بزيادة الضرائب على التبغ، الأول الحاجة إلى تفادي زيادة ضريبيّة كبيرة تُفضي إلى تعزيز التجارة غير المشروعة، والثاني تمويل مجموعات الجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابيّة. أمّا توظيف عائدات تجارة التبغ غير المشروعة التي يجري تبييضها وسائر المنتجات ذات القيمة العالية مثل النفط من أجل تمويل الإرهاب، فشأن مثير للقلق نظراً إلى بروز منظمات إرهابيّة مثل «داعش» و»النصرة» و»القاعدة» وانتشارها عبر المنطقة من المغرب إلى المشرق. ومع تداعي الأمن على حدود منطقة الشرق الأوسط وتنامي عدد المنظمات الإرهابيّة، باتت المنطقة خير أرض لتجارة التبغ غير المشروعة التي تُشكِّل مصدراً لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. أمّا جباية ضرائب التبغ فتؤدي إلى مشاكل على المستوى الأمني وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب وتفترض وجود سلطات مختصة إلى جانب وزارات المال والهيئات الجمركيّة.
ويفــيد تقرير اللــجنة الماليّة الدولـيّة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب FATF عام 2012 بأن الإتجار غير المشروع بمنتجات التبغ، يدعم تجميع الأموال للجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابيّة. وأكدت تقارير صادرة عن الكثير من المنظمات الدوليّة، منها منظمة الأمم المتحدة، أن عائدات تهريب التبغ تستخدم لتمويل النشاطات الإرهابية بما في ذلك تمويل «داعش». وعلى نحو مماثل، أشارت الوثائق إلى أن الجماعات المتمردة استخدمت أموال تهريب السجائر لتمويل نشاطاتها خلال الحرب في الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديموقراطية.
التجارة العالميّة الرابعة
يتألف الاتجار غير المشروع بمنتجات التبغ عبر التاريخ من التهريب الواسع لسجائر أصلية من علامات تجاريّة معروفة. وفي السنوات المنصرمة، تراجعت هذه الظاهرة ليحلّ محلّها نمو مضطرد في الاتجار بالسجائر المزوّرة والبيضاء (سجائر مصنّعة بهدف تهريبها إلى سوقٍ أخرى وتكون معفاة من الضرائب في بلد التصنيع) البخسة الثمن ومبيعها وتوسيع نطاق الاتجار غير المشروع.
واتساع الإتجار غير المشروع هو أكبر دليل على أن الإتجار بالتبغ غير القانوني والخارج عن الضريبة بات التجارة العالميّة الرابعة الأوسع من حيث الحجم خلفاً لـ «بريتيش أميريكان توباكو» وفيليب موريس و «جبان توباكو انترناشونال». ويشير المرصد الأوروبي Euromonitor إلى أن الإتجار غير المشروع بالسجائر يحتلّ المرتبة الأولى على سلّم الإتجار غير القانوني الأكبر بمنتج قانوني لجهة القيمة والثانية لجهة المخدرات غير القانونية، بالنظر إلى العائدات التي يجنيها المهرّبون. ويُقدِّر الخبراء أنّ المقارنة تصلح بين التجارة العالميّة غير المشروعة بالتجزئة لمنتجات التبغ وسوق الكوكايين (81 بليون دولار من منتجات التبغ غير المشروعة في مقابل 85 بليوناً من الكوكايين). ويقدِّر Euromonitor أنّ سيجارة من أصل عشر سجائر في العالم هي سيجارة غير قانونيّة (نحو 570 بليوناً) وتُقدَّر قيمة التجارة الإجماليّة بـ40 بليون دولار توازيها خسارة ضريبيّة مماثلة للحكومات العالميّة.
وفي منطقة الشرق الأوسط، احتلّ كلّ من العراق والأردن وليبيا وتونس مراتب بين الدول العــشر الأساسيّة في مجال التهرّب الضريبي عام 2012 (المرجع: PMI). ونظراً إلى هشاشة حدود دول الشرق الأوسط وتنامي عدد المجموعات الإرهابيّة، بات الشرق الأوسط اليوم أرضاً خصبةً للتجارة غير المشروعة. وتُسجِّل دول مجلس التعاون الخلــيجي مــعدلات اخــتراق غير قانوني متدنيّة نسبياً ولكنّها موزّعة بين مراكز التهريب في صناعة التبغ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والاتحاد السوفياتي السابق وأسواق التبغ الناشئة في شبه القارة الهنديّة.
ويشكل الفارق في الرسوم والأسعار الناشئ عن الضريبة، ناهيك بالحدود غير الآمنة، المحرّك الأساس للاتجار غير المشروع. كما أن من شأن حدوث زيادة كبيرة ومفاجئة بنسبة 100 في المئة في الضرائب المفروضة على التبغ في دول مجلس التعاون، أن تزيد التفاوت في الأسعار بينها من جهة، ودول يتوافر فيها التبغ بأسعار متدنيّة مثل العراق وليبيا واليمن من جهةٍ أخرى.
هناك تفاوت كبير في أسعار السجائر لكلّ حاوية في المنطقة، وهو يتراوح بين 700 ألف دولار في إيران ونحو 1.5 مليون وأكثر في مصر. وتقع دول مجلس التعاون في أعلى السلّم. ومن شأن الزيادة في الضرائب أنّ تؤدّي إلى زيادة كبيرة في أسعار السجائر، تفوق مليون دولار (لكلّ حاوية) بين الأعلى والأدنى عبر المنطقة. ومن المرجح أن يؤدي هذا الفارق الكبير في السعر إلى زيادةٍ في الإتجار غير المشروع وتمويل المنظمات الإرهابيّة والجريمة المنظمة.
خطط مجلس التعاون
تشير الأدلة الصادرة عن الدول إلى أن الزيادات الضريبية الكبيرة من المرجح أن تؤدي إلى ظهور أو نمو التجارة غير المشروعة، وهي بالتالي لا تُفضي إلى تحقيق الغاية من توليد عائدات مرتفعة أو خفض الاستهلاك. ما الذي تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي القيام به في هذا المجال؟ نقترح اتباع نهج متعدد الجوانب بما في ذلك التدابير القانونيّة والتنظيميّة بالإضافة إلى رفع الضرائب وبناء القدرات.
أ- التدابير القانونيّة والتنظيميّة:
- يجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تنضم إلى بروتوكول القضاء على الاتجار غير المشروع بمنتجات التبغ. في حين وقّع معظم الدول العربيّة ودول مجلس التعاون اتفاق منظمة الصحة العالميّة الإطاريّة في شأن مكافحة التبغ، لم توقِّع البروتوكول سوى دول قليلة لا سيّما إيران والكويت وقطر وسورية وتونس وتركيا واليمن. ويعتبر الحرص على أن تُصادق جميع دول مجلس التعاون الخليجي على البروتوكول وتتخذ خطوات فاعلة للامتثال له أمراً مهماً.
- على دول مجلس التعاون وضع معايير مشتركة للامتثال للبروتوكول وحل مشترك لتعقّب الممارسات غير القانونيّة ورصدها حرصاً على تشارك المعلومات من خلال نظام مشترك.
- يجب توحيد سياسات دول مجلس التعاون الخليجي والتنسيق بينها لاستحداث ضرائب انتقائيّة محليّة. وتلجم اتفاقات التجارة (بموجب منظمة التجارة العالميّة) دول مجلس التعاون الخليجي وتثنيها عن زيادة الرسوم الخارجيّة المشتركة على السجائر وسائر منتجات التبغ، ما يُقيّد قدرتها على زيادة الأسعار للحدّ من استهلاك التبغ ومعدلات التدخين. والحل البديل هو فرض ضريبة انتقائيّة اسميّة محددة في كلّ دولة عضو من دول مجلس التعاون تكون كناية عن مبلغ ثابت لكلّ 1000 سيجارة أو ما يُعادلها من وحدات المنتجات من غير السجائر. ومن شأن هذا الإصلاح السياسي أن يؤدي تباعاً إلى زيادةٍ في الأسعار باتجاه فرض مقاييس دوليّة ذات صلة والحدّ من الاستهلاك، وبالتالي زيادة العائدات المستحقة للحكومات. والأهم من ذلك أنّ أي زيادة لافتة في العبء الضريبي يجب أن تترافق مع قدرة الدول الصارمة على إنفاذ القوانين ووضع إستراتيجيّة لتعقّب الإتجار غير المشروع. ويجب توحيد معدلات الرسوم الانتقائيّة واستحداثها بصورة منسّقة فتكون نفسها في كل الدول الأعضاء.
- التطبيق التدريجي للضريبة الانتقائيّة والزيادة الضريبيّة. على سبيل المثال، يُمكن أن تتوزّع زيادة ضريبيّة بنسبة 100 في المئة على فترة خمس سنوات، ما يسمح للسلطات بتقويم النجاحات في تطبيق التغيير السياسي وبناء الإدارة الفاعلة وإنفاذ القوانين.
- يقضي تطبــيق ضريبة القيمة المضافة المحليّة وبالتالي الضريبة الانتقائيّة، بإنشاء إدارات ضريبيّة وموظفين متدرّبين ومجهزين. أمّا إنفاذ الضرائب على النحو الفاعل فيقتضي موارد وأدوات ماهرة، ناهيك بموظفين ماهرين في تقنيّتي التدقيق والتحقيق واستخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات وتطبيق أنظمة التعقب ورصد المصادر وتحليل مصادر البيانات والقدرة على تحليل التصريحات الضريبيّة وتقويمها.
- استخدام التكنولوجيا الحديثة لإدارة الضرائب.
- تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص وإنشاء «وكالة لمكافحة الاحتيال» في دول مجلس التعاون الخليجي. وفي هذا المجال، على شركات صناعة التبغ أن تقترح مذكرة تفاهم طوعيّة على الحكومات والسلطات المعنيّة. وعلى الحكومات في المقابل أن تُشجّع على المشاركة مع القطاع الخاص لمكافحة الإتجار غير المشروع وأن تُبدي انفتاحاً تجاهه. ويُمكن أن تتعاون الجهات المصنِّعة للتبغ ودول مجــلس الـتعاون الخليجي على إنشاء «وكالة لمكافحة الاحتيال» في دول مجلس التعاون الخليجي بهدف مكافحة تجارة التبغ غير المشروعة.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,085,546

عدد الزوار: 6,934,175

المتواجدون الآن: 94