أوهام القوميين الأكراد حول النقاط الحدودية

تاريخ الإضافة الجمعة 9 تشرين الأول 2015 - 7:23 ص    عدد الزيارات 696    التعليقات 0

        

 

أوهام القوميين الأكراد حول النقاط الحدودية
رستم محمود 
منفذ «سيمالكى» الحدودي، بين إقليم كردستان العراق ومناطق الإدارة الذاتية الديموقراطية الكردية في سورية، ربما هو الوحيد بين الكيانات الكردية منذ فترة الإمارات الكردية- العثمانية. لكن، من سخرية القدر، أن هذه البوابة الحدودية الوحيدة منذ قرون، مغلقة منذ أعوام، ولا يُسمح بعبورها سوى لبعض الأشخاص فحسب، وبإجراءات إدارية وسياسية وتنظيمية معقّدة من طرفي الحدود. ما يزيد من تراجيدية ذلك، كون البوابة هي الوحيدة التي تربط بين مناطق الإدارة الذاتية الكردية في سورية والعالم الخارجي، فهي تشكّل المصدر الوحيد للمتطلبات الأكثر ضرورة لمئات الآلاف من سكان تلك المنطقة التي يُشكل الأكراد معظم سكانها، مثل المواد الطبية. وهي باتت تقريباً كذلك بالنسبة إلى إقليم كردستان العراق، بعد سيطرة داعش على كامل الحدود الجنوبية للإقليم، وإغلاق تركيا معبر «فيشخابور» الحدودي مع الإقليم.
ثمة حسابات سياسية/حزبية واضحة المعالم، تملك امتيازاً وأولوية على أية مصلحة قومية عُليا «متوهمة». فالحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي يسيطر سياسياً وإدارياً على الشطر الكردي العراقي من البوابة، يريد لهذه البوابة أن تشكل عائداً اقتصادياً وسياسياً للحزب المناصر له بين أكراد سورية – الديموقراطي الكردستاني السوري- لذا يشترط لفتح البوابة أن تقسم العائدات بشكل ما على جميع القوى السياسية الكردية هناك. وفوق ذلك أن يلتزم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي بمعايير الشراكة السياسية مع باقي القوى الكردية، خصوصاً الشراكة العسكرية والمؤسساتية البيروقراطية، وذلك لخلق المزيد من النفوذ ضمن سورية لنفسه عبر الديموقراطي الكردستاني السوري. لا تلقى الحساسيات القومية والإنسانية والاقتصادية مكانة تُذكر في حسابات الديموقراطي الكردستاني، حيث يغدو إغلاق البوابة في كثير من الأحيان عاملاً أولياً حتى لوقوع ضحايا مدنين من أكراد سورية، جراء النقص الحاد في المواد الطبية ومواد النظافة البيئية، وربما عاملاً لتشرُّد عشرات الآلاف من أكراد سورية في الإقليم ودول الجوار، هؤلاء الذين كانت غالبية واضحة منهم مؤيدة على الدوام لتوجهات الديموقراطي الكردستاني نفسه، لكن حساباته الحزبية الخاصة والضيقة، كانت دوماً أكبر من كل الاعتبارات «القومية» المتوهمة.
على خط مواز، فإن «الاتحاد الديموقراطي» يصرّ على التفرد بالمعبر والحياة الاقتصادية والسياسية والعسكرية في مناطق الإدارة الذاتية، ويفضل جملة الخسارات الاقتصادية والسياسية جراء إغلاق البوابة الحدودية الوحيدة. يفضل ذلك على أية شراكة في إدارة المعبر. ويفضّل عليها أشكالاً من «الخضوع» لابتزاز قوى سياسية غير كردية، كفتح بوابة بلدة «تل كوجر/ اليعربية» مع العراق قبل سيطرة تنظيم داعش على الموصل، أو الخضوع لشروط التبادل التجاري مع المناطق التي يسيطر عليها داعش في سورية، أو التبادل التجاري مع مناطق النظام عبر مطار القامشلي!.
ما يصح على الحدود الكردية/ الكردية بين سورية والعراق، يصح على باقي مناطق التماس الجغرافي بين المجتمعات الكردية في الدول الإقليمية الأربع. فكما أن تركيا تُغلق في شكل مُحكم المنافذ الحدودية النظامية التي كانت لها مع سورية وباتت جزءاً من مناطق الإدارة الذاتية الكردية، كي لا تُشرعن نظام الإدارة الذاتية هذا، وكي لا يصل أي عائد لخصومها الأكراد هؤلاء، فإن القوى السياسية المهيمنة على الإدارة الذاتية نفسها، لا تقبل بأي شراكة في إدارة هذه المنافذ مع الأحزاب الكردية الأخرى، والتي تشكل جزءاً من تحالف الائتلاف الوطني السوري المعارض، حيث مشاركتها في الإدارة هو أحد الشروط التركية الرئيسية للتفكير بفتح هذه البوابات. إذ كما الحالة الأولى، لا مفاضلة لدى الاتحاد الديموقراطي الكردي بين مصالحه وحساباته السياسية الخاصة، وبين المصلحة العامة التي لـ «عوام» الأكراد على جانبي الحدود.
كثير مما يشبه ذلك يحدث على الحدود العراقية الإيرانية، وعلى الحدود التركية العراقية. إذ ثمة دوماً مصلحة عامة للأكراد في مناطق التماس الجغرافي ما بين هذه الدول، بينما تحضر المصالح والحساسيات الحزبية والتوازنات السياسية لتشكل مانعاً لتحقيق تلك المصلحة العامة «القومية» المدعاة.
من بين تلك الوقائع الواضحة، يمكن تفكيك أوهام آخر النزعات القومية في المنطقة، والتي بقيت بسبب مناخات القرن العشرين القاسية على ملايين الأكراد. احتفظت النزعة القومية الكردية بحيوية وطاقة متجدّدة، لكن مسألة الحدود والمصالح الاقتصادية والحساسيات الحزبية، تكشف بجلاء أن الأكراد ليسوا كتلة مجتمعية وسياسية صماء، يسيرون وراء مصلحة وسلوك جمعي كلي واحد وواضح، وأن المصالح والتوجهات قد تكون متباينة ما بين المشكلين لهذه الكتلة البشرية الكبرى.
الأهم في هذا الشأن، هو التسليم بأولية الكيانات ودورها في تحديد السلوك السياسي للقوى السياسية المتحكمة بها، وليس النزعات الإيديولوجية والخطابية المدعاة من هذه القوى السياسية. بالضبط، شيء شبيه بما جرى بين الأنظمة العربية طوال النصف الثاني من القرن العشرين، حيث على رغم رفع غالبيتها المطلقة الشعارات القومية والنزعات الكلية، إلا أنها بقيت على ولاء لمصالح وشروط الكيانات التي كانت تحكُمها، فالحدود مُغلقة بين الكثير من الدول/ الأنظمة العربية لعشرات السنوات، والتي كانت الأحزاب الحاكمة فيها تنتمي غالباً لنفس النزعة القومية، وربما للحزب نفسه، كما في الحالة السورية العراقية في ثمانينات القرن المنصرم. فالقومية كانت على الدوام أداة لكسب الشرعية الخطابية والإيديولوجية في الداخل، ولم تتحول قط إلى فاعل سياسي في العلاقات والمصالح العامة للسكان الذين يتم استتباعهم عبرها.
الأمر الأخير يتعلق بتحطيم وهم وجود «مصلحة عامة قومية» عليا، يمكن بها وعبرها قياس السلوك السياسي لمعظم التيارات السياسية الناشطة ضمن هذا المجتمع، فما ذلك سوى اختراع من مخيلة الأدبيات والرؤى القومية التقليدية، وعلى الدوام تدعي التيارات الحزبية بأنها تمثل تلك المصلحة، على رغم تناقضها وتحولاتها وتبدلاتها التي لا تتوقف، لكنها على الدوام تجد من يُسوغ لها شرعيتها، تحت يافطة أن هذه هي المصلحة القومية العليا، هؤلاء الأخيرون يسمون بجلاء «سدنة وهم المخيلة القومية».
* كاتب سوري
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,102,449

عدد الزوار: 6,752,825

المتواجدون الآن: 106