الشيخ زويد.. «حصان طروادة» التطرّف في سيناء

تاريخ الإضافة الأربعاء 15 نيسان 2015 - 5:44 ص    عدد الزيارات 745    التعليقات 0

        

 

الشيخ زويد.. «حصان طروادة» التطرّف في سيناء
جنود في وجه الإرهاب.. وسكان يبحثون عن التنمية
القاهرة: أحمد الغمراوي
فرضت بلدة الشيخ زويّد والمنطقة المحيطة بها نفسها على التقارير الإعلامية وقاموس الجماعات الإرهابية المتمظهرة بالإسلام على امتداد العالم العربي، وبعض الدول الإسلامية. وفيما يلي نعرض خلفيات عن الشيخ زويّد التي تسبب الإرهابيون المتطرفون الذين يستهدفون في عملياتهم قوات الجيش والأمن المصرية في تصويرها – ظلمًا على الأرجح – وكأنها حاضنة من حواضن التطرف. ونتطرق إلى واقعها الجغرافي وتركيبتها السكانية ووضعها الاقتصادي، وكلها عوامل يبدو أنها أسهمت في إعطاء هذا الانطباع غير الصحيح عن المنطقة، بل عن محافظة شمال سيناء ككل.
في الركن الشرقي لمحافظة شمال سيناء المصرية، وبخاصة في مربّع منطقة الشيخ زويّد الممتدّة ما بين مدينتي رفح شرقا حتى العريش غربًا وصولاً إلى جبل الحلال جنوبًا، وفي النطاق ذاته عمقًا، تنشط عمليات قوات مشتركة من الشرطة والجيش بمواجهة جماعات متطرّفة جدًا تبيح أدبياتها استهداف الجنود بحجة أنهم «خارجون عن سياق الدين»، وأنهم «طواغيت لا يريدون خيرًا للإسلام».
وبين عمليات كرٍ وفرٍ يومية بين رجال الأمن والإرهابيين، يسعى الطرفان لاستقطاب أهالي المنطقة من البدو إلى جانبهم، ومع أن معاناة امتدت سنوات طويلة من إهمال الدولة لشبه الجزيرة أسهمت في انجذاب بضعة مئات من السكان إلى فرق المتشدّدين، لا ترى الغالبية العظمى من السكان أن الدولة «كافرة» كما يزعم المتطرّفون، بل بحسب ما يقوله أبناء المنطقة «يلومونها... لكنه لوم الابن لأهله».
تركيبة منطقة الشيخ زويّد المعقّدة جغرافيًا وسكانيًا، وربما سياسيًا أيضا على مدار سنوات، خلقت منها موضع قدم يمثل حلمًا لعناصر أرادت زرع الإرهاب في المنطقة. ومن ثم، كانت مسرح عمليات تدريب للإرهابيين في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي. إذ تدربت فيها كثرة من فرق الموت آنذاك مثل جماعات «التكفير والهجرة» و«الجهاد» على أعمال العنف الدموي التي أسفرت عن عشرات العمليات، من أبرزها اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1981.
بعض الأصوات المشككة تقول إن عمليات الجيش تجري بوتيرة بطيئة للغاية، وأنها لم تنجح في خنق الإرهاب تمامًا على الرغم من استمرارها على مدار أشهر. وحقًا لا تزال هناك عمليات استهداف وقتل يشنها عناصر الإرهاب ضد العسكريين والمدنيين، غالبها يقع في محيط منطقة الشيخ زويّد. لكن بحسب ضابط من الجيش المصري، يحمل رتبة متوسطة، وعمل في محيط الشيخ زويّد على مدار نحو سنة، فإن عمليات الجيش ضد المتطرفين في شمال سيناء تجري «بمشرط الجراح» على حد قوله. ثم يوضح قائلاً: «عناصر الإرهاب ليسوا معسكرات واضحة لكي نقوم بمهاجمة أوكارهم ونقضي عليهم، بل معظمهم يعيش وسط السكان.. بالتالي، فمهمتنا الرصد والبحث المعلوماتي ومراقبة المشتبه بهم، وبعد ذلك نشن ضربات محدودة تفاديًا لإيذاء الأبرياء من إخوتنا في سيناء».. مستطردًا: «للأسف، عناصر الإرهاب تستغل هذا الوضع، وتنفذ عملياتها من خلف ستار المدنيين».
من جهة ثانية، يؤكد مراقبون وخبراء استراتيجيون لـ«الشرق الأوسط» أن عمليات قوات الأمن والجيش المصريين في شمال سيناء، خاصة في المنطقة التي تمتد من العريش مرورًا بالشيخ زويّد وحتى رفح، وهي منطقة تخضع لحالة طوارئ وحظر تجوال، شهدت تطوّرًا نوعيًا كبيرًا منذ مطلع العام الحالي، حيث أصبحت تلك العمليات استباقية في كثير من الأحيان.
ووفق أحد الضباط «تعلمنا أن أي نظام أمني يوجد فيه ثغرات، ومع أنه من المستحيل منع ذلك، فإننا نعمل على رفع درجة التأهب دائمًا. كذلك وضعنا عددًا كبيرًا من الحواجز وفرضنا المراقبة المستمرة حول المعسكرات. ثم إن الجنود والضباط أصبحوا أكثر وعيًا ويقظة إزاء ما يحيط بهم وبالسكان من مخاطر، ونتائج كل هذا باتت واضحة على الأرض من خلال تقليص عدد عمليات الإرهاب بنسبة كبيرة جدًا، مقارنة بما سبق». ويضيف الضابط الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» شريطة إغفال اسمه، لأن طبيعة العمل العسكري لا تسمح بذكر المعلومات الخاصة بالقوات، إن «تعليمات القيادة واضحة: لا رصاصة تطلق قبل التأكد من صحة الهدف.. وفي حال الشك يفسّر لصالح المواطنين». ويتابع أن أبناء القبائل يتعاونون مع القوات على الرغم من التهديدات المتواصلة التي يتعرضون لها من عناصر الإرهاب، والتي يصل بعضها إلى حد إعدام عدد من المواطنين سواءً بطلقة رصاص في الرأس أو ذبحًا.. كي يكون عبرة لمن يتعاون مع الشرطة والجيش من أبناء هذه القبائل».
حديث الضابط حول تجنب إصابة المدنيين يتفق تمامًا مع تصريحات سابقة كان قد أدلى بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في نهاية شهر فبراير (شباط) الماضي، وكشف خلالها عن إلغاء عملية كبرى في شهر رمضان الماضي لاستهداف عناصر إرهابية في أعقاب ورود معلومات في اللحظات الأخيرة بوجود نساء وأطفال داخل الموقع المحدد للضربة، وهو ما أدى إلى إصدار قرار فوري بإجهاض العملية تمامًا.
لكن عمرو، وهو طبيب يقيم في العاصمة المصرية، وتنتمي عائلته إلى قبيلة السواركة المعروفة في شمال سيناء وتشكّل غالبية سكان منطقتي العريش والشيخ زويّد، يرى «أن عمليات الجيش وحدها ليست كافية، وعلى الرغم من تعاون السكان مع الدولة في مكافحة الإرهاب، فإن الطبيعة الطوبوغرافية والديموغرافية للمنطقة تمثل تحدّيًا صعبًا للدولة، خاصة في الشيخ زويّد».
ويتفق معظم الخبراء الاستراتيجيين المصريين الذين استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم على مدار الأشهر الماضية على أن «الحل الأمني في سيناء وحده لن يحلَّ مشكلتها.. وأن التنمية هي عنوان الحل الحقيقي للأزمة هناك».
وعودة إلى عمرو، فإنه يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «أبناء سيناء تعرّضوا لظلم بيّن عبر سنوات كثيرة، إذ ما كان يسمح لهم بتملك الأراضي، وكانت الأحوال الاقتصادية سيئة للغاية نتيجة غياب التنمية إبان فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك – عمدًا – عن محافظة شمال سيناء. أضف إلى ذلك، ما كان يُسمَح لإخواننا من أبناء القبائل بالالتحاق بجهات مثل الشرطة أو الجيش أو القضاء، بل إن بعض أبناء القبائل لا يملك أوراقًا ثبوتية حتى الآن. كل هذا يؤدي حتما إلى خلق أجواء تسمح بالتطرف؛ أو على أقل تقدير غض بصر السكان عن وجود بؤرٍ للإجرام على أراضيهم».
ويقول الطبيب السيناوي إن «المتشدّدين الذين حضروا إلى سيناء المُهملة من جانب الدولة في مجال التنمية منذ الثمانينات، كانوا يعملون وحدهم في البداية. لكنهم استغلوا خلال السنوات الثلاثين الماضية الأوضاع الصعبة التي يعاني منها أهل سيناء لاستقطابهم والتأثير عليهم من خلال خطاب ديني مغلوط في كثير من أفكاره. وكانت هذه الأفكار تستعدي الأهالي ضد الدولة من جهة، وتحلل لهم من جهة أخرى الأعمال غير المشروعة بذريعة أن الضرورات تبيح المحظورات. كان هذا بمثابة حصان طروادة الذي تسلل منه التطرّف إلى المنطقة، وللأسف لم تهتم الدولة بمحاربته مبكرًا بطريقة صحيحة».
ويشير عمرو إلى أن «الدولة في عهد ما قبل ثورة يناير (كانون الثاني) عام 2011، كانت تغضّ الطرف في مناطق شمال سيناء من جانبها عن كثير من الأمور غير القانونية التي كان يلجأ إليها أبناء القبائل كموارد بديلة، بينها زراعة المخدرات في أراض يتعذّر تحديد مالك لها، وتهريب السلاح، ومسالك الهروب غير الشرعي، بل حتى تجارة الأنفاق مع قطاع غزة كانت تحظى بـ«رضا سياسي» من الإدارة المصرية من أجل التحكّم في ملف المفاوضات الفلسطينية». ويشرح أن ثمة أكثر من 10 قبائل في شمال سيناء، أبرزها السواركة والمساعيد والرميلات وأولاد علي والترابين، وهذه القبائل وامتداداتها المتداخلة وأصولها تمثل ما يشبه خطوط الملاحة الجوية التي تمتد من الشام والحجاز واليمن شرقًا حتى الصحراء الكبرى غربًا. وهو ما سهّل لأبناء هذه القبائل خطوط حركة واتصال واسعة شرقًا وغربًا.
 سيناء.. إداريًا
 تنقسم شبه جزيرة سيناء إداريا إلى محافظتين: المحافظة الشمالية، التي تطل على البحر المتوسط شمالاً وتحدها شرقًا الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل، بينما تنتهي حدودها غربًا بشريط ضيق يفصلها عن قناة السويس. والمحافظة الجنوبية التي يحتضنها خليجا العقبة شرقًا والسويس غربًا، ويقع رأس المثلث جنوبًا على ساحل البحر الأحمر.
وبينما المحافظة الجنوبية «سياحية» بامتياز، لوقوع عشرات النقاط والمنتجعات السياحية الفاخرة على شواطئها مثل شرم الشيخ ودهب ونويبع وغيرها، إلى جانب السياحة الدينية متمثلة في منطقة سانت كاترين وجبل الطور، فإن المحافظة الشمالية تعد إحدى أفقر المحافظات المصرية وأدناها من حيث معدلات دخل الفرد في مصر.
ثم إن سكان شبه الجزيرة من البدو يتباينون بين شمالها وجنوبها من حيث طبيعة العمل، فسكان الشمال يعتمدون على الزراعة غالبًا، بينما سكان الجنوب – بطابعه الجبلي – رعويون في الأساس. وقد تكون هذه النظرة الاقتصادية والسكانية المتباينة سببًا كبيرًا لتركز حركات الإرهاب في الشمال ووجود بيئة حاضنة لعناصره، فسكان الجنوب، الذين يعمل كثير من أبناء عشائرهم في مجالات تخدم قطاع السياحة أو تتصل به بشكل أو آخر، أفضل حالاً كثيرًا على الصعيد المادي من أقرانهم في الشمال، ويرفضون وجود أي شوائب للإرهاب في مناطقهم، مما قد يتسبب بقطع أرزاقهم. ويشير الطبيب عمرو إلى أن هذه التركيبة الطبيعية والسكانية أتاحت لعناصر الإرهاب التوغل في شمال سيناء، خصوصا في منطقة الشيخ زويّد، التي تتصل شرقًا بمنطقة رفح وأنفاقها الحدودية، وتمتد جنوبًا إلى جبل الحلال، وهو أحد أبرز العوائق الجيولوجية التي تتحدّى فرض الأمن في المنطقة، نظرًا لوعورته الشديدة، وتحوّله ملاذًا للخارجين عن القانون والمطاريد من القبائل منذ سنوات. ومن ثم، يشدد عمرو على «أن تنمية قطاع شمال سيناء هو الحل الوحيد الآمن أمام الدولة لإنقاذ المنطقة من التطرف»، متسائلا: «أين خطة التعليم في شمال سيناء؟ أين دور وزارة الثقافة؟ أين الدعاة الدينيون المعتدلون؟ والأهم أيضا، أين خطط الاستثمار التي ستجعل أبناء سيناء ينخرطون في الحياة العامة، ويلفظون أي محاولات متطرفة للتغلغل وسطهم؟».
في مطلع فبراير الماضي، وبالتزامن مع الإعلان عن تكليف الفريق أسامة عسكر بقيادة منطقة شرق القناة بكاملها لمكافحة الإرهاب، أعلن الرئيس السيسي عن تخصيص مبلغ 10 مليارات جنيه (نحو 1.4 مليار دولار) من أجل التنمية ومكافحة الإرهاب في سيناء. إلا أن مواطني سيناء يقولون إنهم لم يلحظوا تغييرًا كبيرًا على الأرض رغم مرور أكثر من شهرين على القرار الرئاسي، في حين أوضح مسؤولون مصريون أن «ثمة خططًا هي بالفعل قيد البحث والتنفيذ.. وآثار إهمال عقود لا تحل في لحظات، لأن الدولة لا تملك عصا سحرية».

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,215,809

عدد الزوار: 6,940,856

المتواجدون الآن: 157