المنطقة ومقاربات غراهام فولر القديمة ـ الجديدة

تاريخ الإضافة الأربعاء 1 نيسان 2015 - 7:39 ص    عدد الزيارات 826    التعليقات 0

        

 

المنطقة ومقاربات غراهام فولر القديمة ـ الجديدة
د. عبدالحسين شعبان ()
منذ أن قرأت التقرير الذي كتبه غراهام فولر والموسوم «هل يبقى العراق موحّداً العام 2002؟» والذي صدر عن مؤسسة «راند» بعد غزو القوات العراقية للكويت وحرب قوات التحالف لتحريرها في العام 1991، وأنا لا أهمل ما يقع بيدي من نصوص وتقارير يكتبها منذ العام 1992، سواء كانت تخصّ العراق أو دول المنطقة، وذلك لبعض استشرافاتها وتقديراتها من جهة، ومن جهة أخرى حجم ما تتضمنه من معلومات وخطط يتم إمرارها أحياناً بصيغة أبحاث أو دراسات أو تقارير، يستشف منها الموقف شبه الرسمي للإدارة الأميركية، وخصوصاً لموقف ورأي المخابرات المركزية الأميركية، التي يعتبر فولر قريباً منها.

فغراهام فولر كان الرئيس السابق لقسم البحوث والتخطيط في وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA، وقد شغل هذا المنصب لسنوات، وكذلك فهو دبلوماسي عمل نحو 20 عاماً في عدد من البلدان العربية والإسلامية، مما جعل الكثير من كبريات الصحف ومراكز الأبحاث والدراسات تتعامل مع تحليلاته بجدّية واهتمام، ومع بدء العام الجديد 2015 نشر مقاربات جديدة صاغها على شكل مقترحات موجهة إلى الـ(CIA) وإلى البيت الأبيض، وهي مقاربات تتعلّق بالشرق الأوسط، ويمكن قراءتها كنص متكامل على مدونته الشخصية.

المقاربات الجديدة لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمقارباته وتحليلاته القديمة، الأمر الذي استوجب بحثها كجزء من كل متكامل لآرائه وأطروحاته، وأودّ البدء من استعادة السؤال المحوري الذي طرحه بعد العام 1991، وما كتبه لاحقاً عشيّة الغزو الأميركي للعراق «العام الأخير لنظام صدام حسين» ثم ما حصل فعلاً، حيث أطيح نظام صدام حسين في العام 2003، أي إن « توقعاته» كانت في محلّها، بل إنه «لا ينطق عن الهوى» كما يُقال، والأكثر من ذلك هو سيناريواته التي عرضها قبل الغزو والتي جاء دورها بعد حدوثه، حين اندفع العراق باتجاه «المثلث» الذي اشتغلت عليه الدوائر الاستخبارية والبحثية الأميركية: الشيعة والسنّة والأكراد، وهو ما تجسّد في صيغة مجلس الحكم الانتقالي الذي أسسه بول بريمر الحاكم المدني الأميركي للعراق 13 أيار (مايو) 2003-28 حزيران(يونيو) 2001، ولا تزال هذه الصيغة نافذة بأشكال مختلفة.

إن تقدير فولر والعديد من الدوائر الغربية ينطلق من عدم وجود هوّية عراقية وإنْ وجدت فهي مصطنعة وملصقة صمغياً، ولذلك اقتضى الأمر تفكيكها وإعادة تركيبها بحيث تتقدم الهوّيات الفرعية على حساب الدولة العراقية ذات المركزية الشديدة، ومثل هذا الحل حسب هذا التنظير سيصل إليه العراقيون إن آجلاً أم عاجلاً باعتباره «أحسن الحلول السيئة»، وعند ذاك سيكتفي الفرقاء بقبول التقسيم حتى وإنْ اتخذ في البداية مسمّيات متعددة وهو ما حاول جو بايدن نائب الرئيس الأميركي العام 2007، العزف عليه بالترويج لإقامة ثلاثة كيانات ووضع نقاط حدودية بينها وتخصيص 300 ألف جندي لتأمين الانتقال بينها بواسطة هوّيات هي أقرب إلى «جوازات سفر» أو هكذا ستكون بمرور الأيام.

وعلى الرغم من إن الاحتمالات كانت قائمة وتطلّ برأسها بين الحين والآخر، ويزداد التباعد أحياناً بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، لكن هيمنة داعش على الموصل وتمدّدها باتجاه محافظتي صلاح الدين والأنبار، وعلى بعض أجزاء من محافظة ديالى وكركوك، إضافة إلى حزام بغداد، جعل المسألة تأخذ بُعداً آخر. ومع إنني أعتقد أن داعش ستهزم لا محال، لأسباب تتعلق بعدم قدرتها على الحياة ومخالفتها كل ما هو عصري ومدني وسلمي ولجوئها إلى العنف والإرهاب، ناهيكم عن إن المحيط الذي تعيش فيه أو تحكمه إنما هو ضدها، وكذلك المحيط العربي والإسلامي بشكل عام، يضاف إلى ذلك إنها لا تستطيع أن تقيم علاقة بأي دولة في العالم، لأنها مرفوضة من المجتمع الدولي الذي أعلن تحالفاً ضمّ نحو 40 دولة للقضاء عليها.

وإذا كانت أسباب انهيار داعش قائمة، لكن خطر ما بعد داعش سيكون من نوع آخر، وهو الأمر الذي بُذلت مساع حثيثة للوصول إليه، ونعني به مشاريع تقسيم المنطقة وفقاً لبرنارد لويس الذي اقترح منذ العام 1979، 41 كياناً طائفياً ودينياً وإثنياً ومناطقياً للعالم العربي، وكان هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة للفترة الممتدة من 1973 لغاية 1977قبله قد قال: علينا خلق دويلة وراء كل بئر نفط في العالم العربي، وهو ما يلتقي مع مشروع إيغال ألون العام 1982 بخصوص تقسيم العالم العربي، وخصوصاً بعد غزو لبنان واحتلال العاصمة بيروت.

وكان فولر قد طرح مشروع محاصصة طائفية بخصوص العراق، قبل احتلاله وذلك بقوله «من الضروري التوصّل إلى اتفاقيات مبدئية حول حقوق (الأقليات) وقبولها من جانب غالبية العراقيين قبل إجراء أي تغيير في النظام» ولعلّ ذلك ما تم التخطيط له وما حصل لاحقاً بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي باعتماد نظام الحصص، فخصص 13 مقعداً لما سمّي بالشيعة و5 مقاعد لما دعوهم بالسنّة و5 مقاعد للكرد ومقعد واحد للتركمان ومقعد آخر للكلدو آشوريين، وكان «التناغم» الموعود لهذه العملية لاحقاً بتحديد المناصب العليا، فرئيس الوزراء للشيعة ورئيس الجمهورية للكرد ورئيس البرلمان للسنّة، وهكذا يتم تركيب الرؤوس الثلاثة للمثلث لكي يقف على قاعدته، وتلك هي الخارطة السياسية لفولر، التي تم اعتمادها لاحقاً بصيغة بول بريمر خليل زاد نيغروبونتي.

وبعد غزو العراق أصدر فولر كتاباً بعنوان « عالم بلا إسلام» A world without Islam (2003) طرح فيه تساؤلاً مثيراً: كيف ستكون البشرية في عالم لا يوجد فيه إسلام؟ بقوله: إن «الإسلام» يكمن وراء طائفة من أعمال الفوضى وسوء الفهم في العالم، مشيراً إلى العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة والاحتلالات العسكرية وفتاوى الجهاد وأعمال المقاومة وحرب العصابات وأشرطة الفيديو التهديدية، وأخيراً وليس آخراً الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) العام 2001، مكرّراً مصطلح «الفاشية الإسلامية»، باعتبارها العدو اللدود في أي حرب عالمية ثالثة محتملة، وذلك وجه آخر لأطروحة نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما ونظرية صدام الحضارات لصموئيل هنتنغتون.

ويعيد فولر طرح السؤال على صيغة افتراض بعد كل تلك التعبوية العدائية «لنفترض صورة لشرق أوسط لم يظهر فيه الإسلام قط، فهل يكون أكثر سلماً؟ ويتساءل عن العلاقات بين الشرق والغرب: هل تكون مختلفة ومن الأكيد أن النظام العالمي سيكون في صورة مختلفة». وعلى الرغم من أنه يرد على الذين يتمنّون عالماً بلا إسلام، لكنه يعترف بواقعية بأن الصراعات والمنافسات والأزمات في عالم آخر لا تبدو مختلفة اختلافاً بيّناً عما نعرفه اليوم.

إن القصد من تسليط الضوء على آراء فولر وخلفياته، هو ربط الماضي بالحاضر، فقد كنّا على مدى ربع القرن الماضي تقريباً ونحن «نخضع» لمقاربات فولر وبعض تقديراته، وهو ما يستحق القراءة النقدية دون أن تؤخذ تلك الآراء كمسلمات لا نقاش فيها أو اختلاف معها، لكنها تبقى جزءاً من الاحتمالات والتوقّعات، خصوصاً وانه هذه المرّة جاء على أوسع من العراق، والأمر الذي يحتاج إلى قراءاتها على نحو متّصل وليس كل مقاربة بمعزل عن الأخرى، وقد تعكس تلك المقاربات بعض التقديرات التي تدور في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأميركية.

ـ أولى مقاربات فولر الحالية إن دولة داعش صائرة إلى زوال في العراق والشام، والسبب ليس فعالية وقوة التحالف الدولي، بل لأنها غير قابلة للحياة كدولة، وتلك مسألة مهمة ونتفق بها معه.

ـ ثاني المقاربات هو تعاظم دور إيران كعنصر فاعل في المنطقة، وعلى الرغم من تفاؤله بنجاح المفاوضات الإيرانية- الأميركية، فإن التطبيع ضروري للنظام الإقليمي، ويعتبر أن حكومتي تركيا وإيران هما الحكومتان الحقيقيتان في المنطقة على الرغم من أخطائهما. وبقدر ما في الأمر من تحليل، فإنه رسالة إلى البلدين، وخصوصاً بتوسع النفوذ الإيراني، إضافة بما له علاقة بالمقاربة التي تليها بشأن تركيا.

ـ وثالث المقاربات هو تراجع مكانة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وشعبيته بسبب اتهامات بالفساد، إضافة إلى إصابته بجنون العظمة.

ـ ورابع المقاربات إن روسيا ستلعب دوراً رئيساً في الترتيبات الدبلوماسية في الشرق الأوسط، لاسيّما في قضية الملف النووي الإيراني، وكذلك في المسألة السورية، ويعرض قضية انضمام أوكرانيا إلى حلف شمالي الأطلسي واستفزاز روسيا من منظور يختلف عن الإدارة الأميركية، كما يثير سؤالاً ذا مغزى بعنوان هل يمكن تخيّل معاهدة أمنية بين المكسيك والصين، خصوصاً إذا شملت تمركز الأسلحة والقوات الصينية على الأراضي المكسيكية؟

ـ أما المقاربة الخامسة المثيرة، فتتعلق بعودة طالبان إلى الحكم كإحدى المفاجآت الأفغانية، ويدعو للتعامل مع طالبان لا على أساس كونها حركة إسلامية، بل باعتبارها تياراً قومياً يعبّر عن قبائل البشتون في أفغانستان، كما يدعو إلى مشاركة طالبان بالحكومة الجديدة، ويعتقد أن الاستقرار في أفغانستان وفي الباكستان يعتمد على هذه المقايضة. وتلك إحدى الرسائل المهمة التي تردّد الحديث عنها في السنتين الأخيرتين.

ـ لا ينبغي إهمال آراء فولر، بل ينبغي أخذها بمحمل الجد، لأنه كان قريباً من مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة، لاسيّما في أجهزتها السرّية المخابراتية والبحثية والدبلوماسية، لكنه ينبغي تفكيك شيفرتها وقراءتها باعتبارها رسائل موجهة لخطط محتملة.

() باحث وحقوقي عراقي
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,141,720

عدد الزوار: 6,936,610

المتواجدون الآن: 93