البريطاني ماك هوغو يستكشف جذور المأزق السوري

تاريخ الإضافة الأحد 1 آذار 2015 - 7:38 ص    عدد الزيارات 889    التعليقات 0

        

 

البريطاني ماك هوغو يستكشف جذور المأزق السوري
سوزانا طربوش ..* صحافية بريطانية
على رغم الأهمّية البالغة للوضع السوري في السياسة الدوليّة المضطربة اليوم، تعاني معظم دول الغرب نقصاً فادحاً في المعرفة المعمّقة بطبيعة هذه الدولة وتاريخها. وفي مقدّمة كتابه «سورية: تاريخ حديث»، يكتب البريطاني جون ماك هوغو: «إنّ العالم الناطق بالإنكليزيّة ينظر إلى سورية على أنّها دولة نائية، ولم تبذل إلاّ قلّة من الناس جهوداً فعليّة لفهمها».
وكان «الربيع العربي» أثار في بدايته قدراً كبيراً من الاهتمام والحماسة، ولكن، مع تحوّل قمع المحتجّين في سورية إلى حرب أهليّة وأزمة إنسانيّة من صنع البشر، «بدا في أحيان كثيرة أنّ إعياء الكوارث هو ردّ الفعل الذي أظهره الناس عموماً على الأحداث».
كتاب ماك هوغو، الذي صدر عن «دار الساقي» في لندن (في شكل كتاب جيب)، يساهم إلى حدّ كبير في زيادة المعرفة بسورية وفهمها، وفي الاطلاع على الحركات التاريخيّة التي ساعدت في تفاقم الوضع، وصولاً إلى ما هو عليه اليوم.
وكانت «دار الساقي» أصدرت النسخة الأولى من الكتاب في منتصف العام 2014 في شكل مجلّد بعنوان «سورية: من الحرب الكبرى إلى الحرب الأهليّة»، علماً أنّ ماك هوغو عمد إلى تحديث المضمون في نسخة كتاب الجيب الجديدة بعنوان «سورية: تاريخ حديث» آخذاً بالحسبان تغيّرات ميدانيّة طرأت منذ صدور النسخة الأولى.
وتشمل النسخة الجديدة تنويهاً كبيراً بالكتاب من «صنداي هيرالد»، و»جوردان تايمز»، و»جورنال أوف بيس»، و»تايمز ليتراري سابلمنت»، إلى جانب أقوال خبراء وعلماء من بينهم نيكولاوس فان دام، ورايموند هينبوش وأندرو أرسان.
وأقدمت دار «نيو برس» في نيويورك على شراء حقوق نشر الكتاب في أميركا الشماليّة، فأصدرت في شباط (فبراير) الجاري نسخة مجلّدة جديدة، وكتاباً إلكترونيّاً بعنوان «سورية: تاريخ السنوات المئة الأخيرة».
وماك هوغو هو زميلٌ أقدم في «مركز الدراسات السوريّة» التابع لجامعة «سانت أندروز» في اسكتلندا، وعضو إداري في «مجلس تعزيز التفاهم العربي - البريطاني» (كابو)، وعضو في المجلس المشرف على «الجمعيّة البريطانيّة المصريّة». ويشار إلى أنّه كان يقرأ العربيّة في كلية «ودهام» في جامعة «أكسفورد»، وبعد تخرّجه في العام 1973، درس سنتين في الجامعة الأميركية في القاهرة، وحصل على شهادة ماجستير في الآداب في مجال التاريخ الإسلامي.
وفيما كان ماك هوغو يدرس في الجامعة الأميركية في القاهرة، قام بأول زيارة له إلى سورية، حيث أمضى إجازة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1974، عَبَرَ خلالها بعض الجبال سيراً على الأقدام، انطلاقاً من قلعة الحصن الصليبية، وصولاً إلى قلعة الغساسنة في مصياف، وقد أمضى لياليه في ضيافة السكّان المحلّيّين، وهو يصف في كتابه اللقاءات التي جمعته بسوريين، من الواضح أنّهم تركوا انطباعاً إيجابياً عميقاً لديه.
ومن الجامعة الأميركية في القاهرة، عاد ماك هوغو إلى جامعة أكسفورد، حيث حصل على ماجستير في الآداب في مادّة أدب القرون الوسطى الصوفي، قبل أن ينكبّ على دراسة القانون، ويصبح محامياً مؤهلاً، عمل في البدء في سلطنة عُمان، ومن ثمّ في لندن لمصلحة الحكومة البحرينيّة، وأمضى بعد ذلك وقتاً طويلاً في القاهرة.
انضمّ ماك هوغو إلى حزب الديموقراطيّين الأحرار، لأنّ هذا الأخير اعترض على غزو العراق في العام 2003، مع الإشارة إلى أنّه يترأس الآن مجلس إدارة «أصدقاء فلسطين» في حزب الديموقراطيين الأحرار.
ومن المحزن أن يكون إعداد النسخة المحدثة من الكتاب ترافق مع زيادة مفجعة في عدد الضحايا في سياق الحرب الأهلية، إذ إنّ عدد القتلى السوريّين ناهز 200 ألف نسمة بحلول كانون الأول (ديسمبر) 2014. ومن بين السكّان الذين يقارب عددهم 22.2 مليون نسمة، نزح أكثر من 9.6 مليون من منازلهم، بما يشمل 3.2 مليون رحلوا عن سورية، في حين اضطرّ 6.45 مليون آخرين إلى النزوح داخلياً. وشملت فترة تحديث الكتاب أيضاً بروز تنظيم «الدولة الإسلاميّة في العراق والشام»، وإعلانه دولة الخلافة في حزيران (يونيو) 2014.
على امتداد الكتاب يتكرر موضوع محدّد، هو الأثر الذي تركته أفعال القوى الخارجيّة في سورية خلال السنوات المئة الماضية، حين اتّخذت فرنسا وبريطانيا، بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى قراراً بموجب اتفاقية «سايكس - بيكو» السرية في العام 1916، يتناول كيفيّة تقسيم سورية الكبرى والمناطق المجاورة من الإمبراطورية العثمانية السابقة.
ويعود جهل العالم الناطق بالإنكليزيّة بأمور سورية جزئيّاً إلى انتداب الدولة الفرنسيّة لتحكم سورية ولبنان بعد الحرب العالميّة الأولى، وانتداب بريطانيا لتحكم فلسطين والعراق، علماً أنّ الرؤية الفرنسيّة كانت تنصّ على الحضور الفرنسيّ الدائم في سورية، الأمر الذي يتناقض مع «الأمانة المقدّسة للحضارة» التي كان من المفترض أن يمنحها نظام الانتداب الذي وضعته «عصبة الأمم».
يُكثر ماك هوغو من انتقاد أفعال الفرنسيين في سورية، لافتاً إلى أنّ عامل تأثير خارجياً بارزاً يتمثل بالصراع العربي- الإسرائيلي، حمل «انعكاسات هائلة ومؤذية على سورية» على مرّ السنين.
وخلال الحرب الباردة، كانت سورية أداة يتقاذفها الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، ويمكن اعتبار «الحرب الأهلية السورية كآخر حرب بالوكالة على صلة بالحرب الباردة». وثمّة أمر أكثر إزعاجاً، هو أنّها أيضاً «من طلائع الحرب الباردة التي بدأت مؤخراً في أوكرانيا».
ويشار إلى أنّ دولاً عربيّة وغير عربية في الشرق الأوسط «شاركت هي التالية بألعاب» في سورية. وبالنظر إلى أهمّية العوامل الخارجيّة في كلٍّ من المراحل التي تمّت تغطيتها في الكتاب، يدرس ماك هوغو أوّلاً وقع الحروب والشؤون الخارجيّة، قبل أن ينتقل إلى المستجدّات التي حصلت في الداخل السوري.
وفي كلّ مرحلة، «حدّدت الأحداث خارج سورية إطار حرّية التصرّف التي تمتّع بها حكّام البلاد، وقُيّدت الخيارات المتوافرة لهم. ومع أنّ ذلك لا يعلّل أو يبرّر بعضاً من أفعال هؤلاء القادة، لا يمكن مراجعة أفعالهم في معزل عن المستجدات الحاصلة بين سورية وجوارها».
ويرى ماك هوغو أنّ إحدى أعظم المآسي في تاريخ السياسة السوريّة تمثّلت بما حلّ بالبعث. فبعد أن كان في الأساس حركة قوميّة ذات اهتمام ظاهريّ كبير بالعدالة الاجتماعيّة وبمعالجة تصدّعات المجتمع في أرجاء العالم العربي، كان السوريّون يرون فيه ميزة إضافيّة، كونه نشأ في دمشق.
بيد أنّ طريقة تحوّل البعث إلى ديكتاتوريّة بقيادة أسرة الأسد «باتت في الوقت الراهن درساً موضوعيّاً للدول العربيّة الأخرى».
ويقوم مثال نافع آخر على الفوضى التي عمّت الحياة البرلمانيّة في سورية خلال عهد الانتداب وفي السنوات التالية للاستقلال، علماً أنّ «الأمثلة عن تلك الفوضى في الكتاب هي تحذير مخيف، كونها تسببت بنفاد صبر السياسيّين المنتخبين، وكانت مسؤولة جزئياً عن الرحلة المؤدّية إلى الديكتاتوريّة».
وتزايدت أهمية السياسة الدينيّة كردّ فعل على حالات الفشل التي تكبّدها البعثيّون وغيرهم من القوميّين العرب. ويفيد ماك هوغو بأنّ «المنحى الإسلامي ليس مفهوماً جيّداً في الغرب، وهو في النهاية مسعىً نحو الصدقيّة والهويّة». ويضيف قائلاً «إنّ سوريّين كثيرين قد يرغبون في إرساء ديموقراطيّة من النوع الذي يعترف بالجذور الإسلاميّة لغالبيّة السكّان، علماً أنّ ديموقراطيّة من هذا القبيل لا يمكن أن تكون إلاّ شديدة الاختلاف عن نوع الحكم الذي تمارسه التنظيمات العسكريّة على غرار «القاعدة» أوّ «الدولة الإسلاميّة»، المشهورة ببطشها وتعصّبها».
ويعقد المؤلف مقارنات مثيرة بين سلوك الفرنسيين خلال قمعهم الانتفاضة السوريّة ما بين العامين 1925 و1927، وبين حملة العنف المستمرة منذ العام 2011 بقيادة نظام بشار الأسد البعثي. وفي الحالين، لجأ النظام إلى العنف الشديد ضدّ المدنيّين، كما حصل عندما قصف الأسد مناطق مدنيّة وجنّد ميليشيات على غرار «الشبيحة» لترهيب المناطق الريفيّة وقمع الانتفاضات.
كلا النظامين الفرنسيّ والبعثي شوّه سمعة خصومه، باعتبارهم متطرّفين دينيّاً. وساد شعور قويّ بين المحتجّين السوريّين بأنّ الفرنسيّين في العام 1925، وبشّار الأسد اليوم، يفتقرون إلى الشرعيّة. وفي الحالين، كانت التوقّعات في أوجها، إذ إنّ السوريّين كانوا توقّعوا، قبل وصول الفرنسيين، أن تصبح دولتهم مستقلّة، في حين أمل كثيرون في أولى سنوات رئاسة بشار بأن يقوم بإصلاح النظام، وأن يأتيهم بالحرّية.
واللافت أنّ الضعف الاقتصادي، وعجز الحكومة عن مساعدة الشعب ساهما في تأجيج ثورة العام 1925، وكذلك الانتفاضة التي بدأت في العام 2011.
ويمكن عقد مقارنات تاريخيّة بين قسوة ردّ نظام بشار الأسد على التظاهرات التي تحولت إلى حرب أهلية، وبين ما فعل والده حافظ الأسد في حماة في العام 1982.
وعمد حافظ الأسد، ومن بعده ابنه بشّار إلى تشويه سمعة معارضيهما، باعتبارهم متطرّفين إسلاميّين. وفي حين نجح حافظ الأسد في استعمال القوة الساحقة ضّد معارضيه، ساعدت أفعال نظام بشّار ضدّ الشعب المتظاهر لنيل الحرّية في تحويل الاحتجاجات إلى انتفاضة إسلاميّة. وفي هذا الصدد، يقول ماك هوغو «إنّ مجابهة المعارضين الملطّخي السمعة بالدبابات والطائرات القاصفة، في معارك هدمت نصف المدن في سورية، كان أسهل من التعاطي مع حشود تقيم تحرّكات مطالبة بحقوق الإنسان وبانتخابات حرّة».
وغالباً ما يتساءل ماك هوغو حول مصير السوريين وعائلاتهم، الذين صادفهم أثناء سيره في الجبال خلال رحلته الأولى في سورية قبل أربعة عقود. وخلالها، رفّه عنه مسيحيّون من الطائفة الأرثوذوكسية، ومسلمون إسماعيليّون وسنّة، وكان أكثر ما لفته التشابه الكبير بينهم جميعاً. وقال في هذا الصدد إنّه «بغضّ النظر عن الفوارق الكامنة في أديانهم، كانت مواطن التشابه أكبر بكثير»، علماً أنّه كان يلاحظ الأمر ذاته كلّما عاد إلى سورية - وكانت المرّة الأخيرة في كانون الأول (ديسمبر) 2014.
ويكتب أنّه رغم إرغام السوريين حالياً على العودة إلى هويّتهم الطائفيّة، «أرفض قبول فكرة انتهاء عصر العلمانيّة المستندة إلى الاحترام المتبادل بين أفراد الطوائف المختلفة في سورية. لكنّني أعرف أيضاً أنّ كثيرين سينظرون إلى اعتقادي هذا كفعل إيمان، وأنّ الزمن وحده سيُظهر حقيقة الأمور».
 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,007,383

عدد الزوار: 6,929,477

المتواجدون الآن: 92