سيناء.. الأرض المشتعلة

تاريخ الإضافة الخميس 30 تشرين الأول 2014 - 5:31 ص    عدد الزيارات 704    التعليقات 0

        

سيناء.. الأرض المشتعلة
شبه الجزيرة المصرية تسعى للنجاة من فخ «الإمارة الإرهابية»
القاهرة: أحمد الغمراوي
بين حرب شهدت نزيفا للدم المصري في سبيل استعادتها في مطلع خريف عام 1973، وصولا إلى نزيف جديد لذات الدم مستمر منذ أكثر من عام دفاعا عنها من التحول إلى إمارة إرهابية، تتشابك الخطوط المشتعلة في شبه جزيرة سيناء المصرية بين العديد من الملفات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.

وشهد الاحتقان على أرض سيناء ذروته الأسبوع الماضي، حين قتل نحو 30 عسكريا مصريا وأصيب نحو 25 آخرين في أكبر هجوم من نوعه تشنه العناصر المتطرفة على نقطة أمنية بمنطقة كرم القواديس جنوب غربي مدينة الشيخ زويد. وهو الحادث الذي استتبعته إجراءات حاسمة من القاهرة لمطاردة ومحاربة الإرهاب، اقتضت إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال لمدة 3 أشهر في المربع الشرقي لمحافظة شمال سيناء الملاصق للحدود مع قطاع غزة.

بينما تتردد أصوات بين الحين والآخر تتهم أهالي شمال سيناء بالتراخي أو احتضان «العناصر المارقة»، تعلو نداءات أخرى لساسة وخبراء استراتيجيين بضرورة البحث عن حلول أخرى «خارج الصندوق»، بخلاف المعالجة الأمنية، للخروج من الأزمة.

وتشير تقارير استراتيجية حديثة إلى عدة عوامل أسهمت في وجود بيئة خصبة على الأرض سمحت بتحرك مجموعات إرهابية بحرية، من بينها الطبيعة الجغرافية، والتكوين السكاني القبلي قليل العدد، ونقص الاهتمام بالتنمية على مدار سنوات.

وتوضح التقارير أن عددا من التنظيمات بدأت في اللجوء إلى الركن الشمالي الشرقي من سيناء منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وذلك بعد تشديد القبضة الأمنية في المنطقة المركزية لمصر، تزامنا مع مطاردة الجماعات المتطرفة منذ اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عام 1981، وما تبعه من أحداث إرهابية طالت عددا من رموز المجتمع المصري. وبدأت القصة بحسب التقارير بلجوء 3 تنظيمات رئيسية برزت في تلك الفترة إلى سيناء، وهي السلفية الجهادية، وتنظيم الجهاد، وتنظيم التكفير والهجرة.

وبحسب حصيلة لآراء عدد من الباحثين في علوم الاجتماع، فإن مشكلة سيناء بالأساس بدأت مع إحساس سكانها بالانعزال. كانت السلطة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك تتعامل معهم بنظرة تشكك عقب تحرير شبه الجزيرة من قبضة المحتل الإسرائيلي، كانت هناك شائعات وتقارير مشكوك في أمر أغلبها تفيد بتعاونهم مع الإسرائيليين إبان الاحتلال الذي استمر 6 أعوام.. وتفاقمت المشكلة نتيجة الطبيعة النفسية للسكان ذوي الأصول القبلية العربية، وما يشعرون به من اعتزاز بالنفس يرفض التملق للسلطة الحاكمة من أجل الحصول على حقوقهم البديهية.

وبالطبع يرفض أبناء سيناء مثل هذه الاتهامات بكل حسم، ويستشهدون بالعديد من شهادات قيادات الجيش والمخابرات المصرية الذين أدلوا بشهاداتهم عن دور بدو سيناء المحوري خلال الفترة التي امتدت منذ 5 يونيو (حزيران) عام 1967، مرورا بحروب الاستنزاف، وصولا إلى نصر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973.

ولا يخفى على أحد أن أبناء سيناء وهم يناهزون بالكاد نحو نصف مليون نسمة فقط، كانوا يعاملون في الحقبة الماضية التي امتدت لنحو 30 عاما «تعاملا خاصا»، إذ كان أبناؤهم يستثنون من دخول الكليات العسكرية والشرطية، إلى جانب غياب الجامعات (إلا مؤخرا)، أو أي مظهر من مظاهر التنمية عن المحافظة.

وما زاد من تعقيد الوضع في شمال سيناء، كان ذلك التضاد الواضح مع جارتهم محافظة سيناء الجنوبية، التي ازدهرت منتجعاتها السياحية، وأصبحت أماكن عالمية طردت السكان الأصليين شمالا، لدرجة أن المصريين كانوا يقولون في نهاية عهد مبارك إنه «يحكم البلاد من (مدينة) شرم الشيخ»، نظرا لكثرة تردده عليها.

ذلك الانعزال والإهمال المتبادل بين سكان شمال سيناء والعاصمة المركزية، ربما كان أبرز ما دفع السكان القبليين، في واحدة من أكثر المحافظات المصرية فقرا، إلى البحث عن موارد أخرى بديلة لتنمية مجتمعهم، وبحسب خبراء استراتيجيين ومحللين، نشطت وترعرعت أذرع «التجارة المحرمة» في المحافظة، بدءا من المخدرات والسلاح، وصولا إلى الاتجار بالبشر عبر عصابات تهريب اللاجئين الفارين من القارة الأفريقية إلى إسرائيل. وهو الأمر الذي غضت الدولة المركزية عنه طرفها إلى حد ما، إيثارا للابتعاد عن المشاكل، ونتيجة عدم القدرة على توفير البديل التنموي.

ويضيف المحللون إلى كل ذلك مشكلة الأنفاق الحدودية، التي تمتد لنحو 15 كيلومترا بطول الحدود مع قطاع غزة كشبكة عنكبوتية تحت الأرض، موضحين أن تلك الأنفاق تمثل مشكلة كبرى، إذ كان يجري من خلالها تهريب البضائع إلى القطاع وقت حصاره من الجانب الإسرائيلي فيما مضى، أما الآن فإنها تشهد رواجا أكبر من الجانب العكسي، وتدخل من خلالها كثير من الأسلحة والمتفجرات التي تستخدم في الهجوم ضد القوات المصرية. كما أنها تسببت في ظهور شريحة ثرية من الشباب، صارت تتحدى عادات وتقاليد المجتمع القبلي، وتتحكم في كثير من الأمور على الأرض.

ويفرض الجيش والشرطة المصرية طوقا أمنيا شديدا على المداخل الغربية لسيناء منذ أكثر من عام، وهو ما يؤيد بشدة دخول الأسلحة والمتفجرات من خلال الأنفاق الموجودة شرقا، خاصة مع تزايد العمليات ضد القوات، وتزايد حجم الأسلحة المستخدمة في تلك العمليات.

ويقول اللواء عادل سليمان، المدير التنفيذي للمركز الدولي للدراسات المستقبلية والدولية، إن سيناء فيها عناصر مسلحة خارجة على القانون، وفيها متطرفون وعصابات دولية للجريمة المنظمة مثل تجارة البشر والأعضاء، والأخيرة أخطر من الكل. ويشير إلى أن كل تلك العناصر تتعاون من أجل مصالح مشتركة تتركز في إضعاف الأمن بقدر الإمكان، بل إنها تتعاون مع عصابات دولية على الجانب الآخر من الحدود، سواء في إسرائيل أو قطاع غزة.

ويؤكد اللواء سليمان لـ«الشرق الأوسط» أن «وضع سيناء يحتاج إلى إعادة نظر في جزء منه، لأن الانفلات هناك مستمر ربما منذ أيام (الرئيس الأسبق) مبارك»، مؤكدا أن هناك احتياجا لإعادة الرؤية الأمنية الخاصة بسيناء، من أجل وضع حد لتلك الأوضاع. مؤكدا أن أفضل علاج للمشكلة هناك هو التنمية، إضافة إلى تطوير الرؤية الأمنية وتحويلها من «الدولة تحمي سيناء» إلى «سيناء تحمي مصر»، من خلال إعادة الثقة إلى أهل سيناء و«إدماجهم كمواطنين مصريين؛ وليس كسكان محليين لمنطقة حدودية»، وذلك لمنع تكوين «بيئة حاضنة» لأي تطرف أو بؤر إرهابية.

ويوضح مسؤول أمني رفيع أن هناك جانبا آخر من المشكلة يتعلق بطبيعة التوزيع والتكوين القبلي في شمال سيناء، مشيرا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «منطقة جبل الحلال على سبيل المثال تؤوي عددا من الخارجين عن القانون، ممن يعملون في تجارة السلاح والمخدرات، وعددا من الإرهابيين الذين يرون فيها بيئة مناسبة للتخفي في مكان يصعب وصول قوات الأمن إليه، لكن المنطقة ذاتها بها العديد من السكان المحليين من غير عناصر الإجرام، وهم من دفعتهم الظروف القبلية لمغادرة قراهم نتيجة الأعراف التي تقضي بنفي المخالفين؛ وهؤلاء لا ذنب لهم، وبالتالي لا يمكن قصف المنطقة كلها بالطيران على سبيل المثال للقضاء على هذه البؤر».

وتشير التقارير الأمنية إلى أن عدد العناصر المتطرفة في شمال سيناء كان يقدر في أواخر عهد مبارك بنحو ألف فرد، لكن هذا العدد تضاعف خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين التي أعلنتها مصر منظمة إرهابية، إلى ما يفوق 6 آلاف عنصر، ينتمون إلى أكثر من 10 تنظيمات متطرفة.

وتقول التقارير إن أبرز هذه التنظيمات حاليا هو تنظيم «أنصار بيت المقدس»، والذي تبنى العديد من العمليات الإرهابية التي جرت في سيناء. ويضم التنظيم بحسب المعلومات الاستراتيجية عنه مصريين وأجانب، وسبق أن أعلن مبايعته لتنظيم القاعدة. فيما ترددت أنباء غير مؤكدة أكثر من مرة، عن مبايعة التنظيم لتنظيم داعش، إلا أن مصادر مصرية أمنية نفت أن تكون هناك علاقة مباشرة بين التنظيمين، مؤكدة أن الارتباط بين التنظيمين هو «ارتباط فكري وعقائدي تكفيري» أكثر منه «ارتباطا لوجستيا»، «لكن لم ترصد اتصالات تنظيمية بشكل صريح بين الجماعتين خلال الفترة الماضية».

كما توجد على أرض سيناء فلول من بواقي تنظيم التوحيد والجهاد التكفيري، وهو التنظيم الذي سبق وأن أعلن عن تنفيذه لعمليات التفجيرات الشهيرة في شرم الشيخ عام 2006، ويعرف أنه على تواصل مع بعض العناصر الفلسطينية. وذلك إلى جانب عناصر أخرى مسلحة من «أنصار الجهاد»، و«التكفير والهجرة»، و«أجناد مصر»، و«الأنصار والمهاجرون»، و«جيش الإسلام».

ويقول الخبير الأمني اللواء فؤاد علام، الضابط الرفيع السابق في جهاز أمن الدولة المصري، الذي تعامل طويلا مع ملفات التيارات المتشددة، إن «التنظيمات المتطرفة وتياراتها تندرج تحت فكر واحد، وهو اعتقادهم أنهم (جماعة المسلمين، ومن عداهم ليسوا بمسلمين)، وكل هذه المجموعات تدور في نفس الفلك، فقط تختلف حول الزعامة أو أسلوب تحقيق دولتها وتحقيق أهدافها».

وظهر اسم جماعة أنصار بيت المقدس عقب ثورة 25 يناير 2011، حيث قامت بعدد من عمليات استهداف خطوط الغاز في سيناء، لكن الجماعة نشطت بشكل واسع منذ الصيف الماضي، حيث أعلنت أنها تستهدف العسكريين ورجال الأمن المصري، وتبنت منذ ذلك الحين الكثير من عمليات اغتيال جنود، أغلبها في سيناء، إلى جانب بعض العمليات في دلتا مصر، على غرار تفجير مديرية أمن الدقهلية، وكذلك محاولة فاشلة لاغتيال وزير الداخلية المصري اللواء محمد إبراهيم، إضافة إلى استهداف حافلة سياحية لعدد من الأجانب بالقرب من مدينة طابا.

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في أبريل (نيسان) الماضي وضع جماعة أنصار بيت المقدس على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية. وفي ذات الشهر أصدرت محكمة مصرية حكما يقضي بإلزام الحكومة بإدراج تنظيم جماعة أنصار بيت المقدس، كمنظمة إرهابية، وذلك لقيام عناصرها بأعمال إرهابية ضد رجال الشرطة والجيش، والتحريض على أعمال العنف.

وتتهم الحكومة المصرية جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة بدورها كجماعة إرهابية، بأنها تقف وراء تنظيمات العنف المتطرفة في مصر.

وحول هذا الارتباط، يشير الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة أحمد بان لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هناك أدلة وشواهد عديدة توافرت على وجود ارتباط بين الإخوان والتنظيمات المسلحة، بدأ مما يسمى الجهاد الأفغاني، عندما التحمت كل هذه المجموعات في مكان واحد، وكان ذلك بتنسيق كامل آنذاك بين الولايات المتحدة الأميركية وجماعة الإخوان، والأخيرة كانت وقتها ربما نشطة في مجال الإغاثة الإنسانية.. لكن ظلت لها علاقات بكل المجموعات، وكانت تدعم جناحا مسلحا بعينه داخل المجموعات الأفغانية، وهو جناح (قلب الدين) حكمتيار. وظهر هذا الالتحام بين الإخوان والتنظيمات خلال عام وجود الإخوان في الحكم في مصر، حين هدأت وتيرة العمل المسلح في تلك الفترة.. إلى جانب وجود قناة من قنوات الاتصال المنتظم والهادئ بين الجماعة وهذه التشكيلات؛ بما كشف أن حدود التواصل بينهم أبعد مما هو مكشوف على السطح».

وتظهر تلك التنظيمات المتطرفة في سيناء بين آن وآخر على سطح الأحداث، محاولة فرض رؤيتها على الأرض، استغلالا لظروف وطبيعة شمال سيناء. وأعلنت جماعة أنصار بيت المقدس عدة مرات أنها تستهدف إقامة «إمارة متطرفة» في تلك المنطقة، لكنّ خبراء عسكريين أكدوا استحالة ذلك بالنظر إلى موازين القوى على الأرض.

ويقول الخبير العسكري اللواء جمال مظلوم لـ«الشرق الأوسط»، إن الإعلام يعطي لأنصار بيت المقدس وغيرها من الجماعات المتطرفة أكثر من قدرها، مؤكدا أن الجيش المصري بإمكانه السيطرة على الوضع في سيناء في غضون ساعات قليلة؛ إلا أنه يتعامل بأقصى قدر من درجات ضبط النفس حرصا على المدنيين من أبناء المنطقة، وذلك نظرا لوجود عناصر تلك التنظيمات وسط السكان.

ويوضح اللواء مظلوم، أنه بعد أن زادت العمليات الإرهابية، وطالت عددا من أبناء سيناء أنفسهم، فإن تلك العناصر بدأت في الانزواء، ونأى عنها كثير من السكان، وبدأ عدد منهم في الإبلاغ عن الإرهابيين، خاصة بعد نشر مقاطع الفيديو التي تظهر قطع رؤوس سكان محليين بدعوى التعاون مع الأمن.

ويرى اللواء مظلوم أن ذلك التطور، الذي يشهد لفظ السكان لأفعال الإرهاب، هو تطور فارق، لأنه سيؤثر إيجابا على العمليات. والقوات الأمنية والعسكرية بدأت تصل إلى المراحل الأخيرة في القضاء على تلك البؤر الإرهابية.

ويشير عدد من أبناء شمال سيناء إلى أنهم يقفون في ذات الصف مع الدولة في مواجهة الإرهاب، وأنهم يتعاونون مع القوات هناك بالإرشاد عن معاقل المتشددين. وهو ما أسفر عن عمليات انتقامية من تلك العناصر المتطرفة ضد عدد من أبناء القبائل. ويقول شاب سيناوي طلب من «الشرق الأوسط» عدم الكشف عن هويته: «نحن لسنا بخونة، ولا نتعاون مع الإرهاب.. فقط نحن ننشد أن نعيش في سلام، نريد أن تمد الدولة يدها إلينا بشكل أفضل».

وبينما أفادت بعض المصادر أن الحكومة المصرية قد تلجأ إلى نقل بعض أهالي الشريط الحدودي مع قطاع غزة إلى مناطق أخرى من أجل التعامل بقوة أكبر مع بؤر الإرهاب، تنقسم ردود الفعل الواردة من السكان هناك، بين من يوافق على تلك الطروحات، ومن يتمسك بالبقاء في أرضه ومنزله. وستشهد المرحلة المقبلة جهودا من الدولة لفصل السكان عن المسلحين لمعالجة جذرية ضرورية لمستقبل سيناء ومستقبل مصر.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,054,045

عدد الزوار: 6,750,203

المتواجدون الآن: 118