اليمن.. في الاتجاه المعاكس

تاريخ الإضافة الخميس 25 أيلول 2014 - 6:19 ص    عدد الزيارات 1048    التعليقات 0

        

اليمن.. في الاتجاه المعاكس
حقبة جديدة من الصراع السياسي الغامض مع انهيار الجيش واختفاء الأمن وانتشار الميليشيات
صنعاء: حمدان الرحبي

يدخل اليمن الذي يوصف بأنه من أفقر البلدان بالعالم، مرحلة جديدة من الصراع السياسي بعد سقوط صنعاء أو ما يمكن تسميته تسليم العاصمة لجماعة الحوثيين، في مشهد غير مسبوق على مر تاريخ البلاد.

ويعيش اليمنيون حالة رعب وخوف من المستقبل الذي ينتظرهم بعد انهيار معسكرات الجيش وتسليمها للحوثيين الذين يعتقد مراقبون أنهم شكلوا تحالفا مسلحا مع جماعة الرئيس السابق علي عبد الله صالح ضد كل من شارك ودعم ثورة الربيع اليمني عام 2011، والذين كان الحوثيون مشاركين فيها إلى جانب قوى المعارضة السياسية التي أسقطت صالح من الحكم.

لم يتوقع اليمنيون أن يصحو ذات صباح وشوارع صنعاء خالية من الدولة ومسلحو وسيارات الحوثيين منتشرة في كل الاتجاهات.. حتى نقاط التفتيش التي كان يديرها عناصر الجيش والشرطة، باتت الآن في يد الحوثيين.. يرفعون عليها إعلامهم وشعاراتهم أمام سيارات المواطنين، لإظهار سيطرتهم على الأمور. أما المؤسسات الحكومية فقد تسلمها الحوثيون من أجهزة الأمن بعد توجيهات من وزارة الداخلية باعتبار الحوثيين أصدقاء للشرطة، أما معسكرات الجيش فقد جرى إفراغها من أسلحتها الثقيلة من دبابات ومدرعات ومدافع ونقلها الحوثيون إلى معقلهم الرئيس في أقصى شمال البلاد محافظة صعدة.

لا يعرف المواطن اليمني البسيط ماذا حدث للجيش والأمن؟! هناك من يعد ما حدث للبلاد خيانة من الدولة سلمت الوطن لميليشيات مسلحة، لكن هناك بالمقابل من يرى أنه انتصار ضد الفاسدين الذين نهبوا ثروات البلد طيلة العقود الماضية.

والآن اليمن يسير في الاتجاه المعاكس.. إلى أي مدى يمكن أن يسير في هذا الاتجاه.. فهو السؤال الذي يستعصي على المحللين والخبراء أن يجدوا إجابة قاطعة عليه. هل هو انقلاب مسلح.. هل ستعلن دولة الإمامة.. كيف ستدار البلاد خلال المستقبل.. ما هو دور الرئيس الحالي.. وما دور الجيش، هل ستدار البلاد من صعدة أم من صنعاء. أسئلة كثيرة بلا حصر تنتظر الإجابات.

يقول المحلل السياسي ياسين التميمي لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما حدث هو انقلاب عسكري جرى بيد الدولة، يدخل البلاد منعطفا خطيرا له ما بعده من فصول الصراع على السلطة في اليمن»، مشيرا إلى أن الصراع اليمني سيشعل وقود الصراع الطائفي بالمنطقة بشكل عام، متوقعا أن تشهد البلاد «مزيدا من العنف والصراع أكثر من ذي قبل، وهو ما قد يعيد اليمن إلى مرحلة ما قبل الدولة، وربما ستتجزأ إلى أكثر مما كانت قبل تحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب».

وينظر التميمي إلى ما حصل في صنعاء على أنه «انقلاب عسكري بشكل انقلاب طائفي»، نسف معه أسس الدولة المدنية الحديثة التي كانت تسير البلاد نحوها بعد مؤتمر الحوار الوطني، مشيرا إلى أن الاتفاق الذي وقعته الرئاسة اليمنية مع الحوثيين والأطراف السياسية الأخرى «لشرعنة انهيار الدولة والقضاء على كل ما له علاقة بثورة الشباب في 2011، بل إنه ضد ثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962، التي قضت على حكم الإمامة المستبد».

واتهم التميمي النظام السابق بالتحالف مع الحوثيين لهذا الانقلاب، وقال: «ما حدث في صنعاء ظاهريا أن الحوثيين هم من سيطروا عليها، لكن في الواقع أن القوة المنفذة للانقلاب جرى بالقيادات العسكرية التي كان ولاؤها لنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح». وتوقع أن «ينفرط هذا التحالف بينهما فلن يتنازل الرئيس السابق وأتباعه عن النفوذ الذي حققوه ضد خصومهم الذين أسقطوهم عام 2011، ولن يسمحوا للحوثيين بالسيطرة، وخاصة أننا نعرف أن صالح هو من قاد 6 حروب ضد الحوثيين».

وينظر المحلل السياسي نبيل الصوفي إلى ما يحدث على أنه «حالة طبيعية»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «في البداية استخف شركاء الحكم، بالحوثي، واستمروا يتعاملون معه كقوى عدوة، وفي نفس الوقت، استمروا في إقصاء شريك المبادرة المتمثل بالمؤتمر الشعبي العام، ومحاصرة القوى الاجتماعية التي رفضت موالاة القوى الثورية».

وأضاف: «المؤتمر الشعبي والقوى غير الثورية، لم يكن لها خيار متفق عليه في التعامل مع الحوثي، وبدا أن للإصلاح وتحالفاته القبلية موقفا مختلفا عن موقف عبد ربه منصور هادي، بسبب توحد الموقف ضد المؤتمر، واستمرار محاصرته والتضييق عليه وتأسيس وعي اتهامي ثوري ضده، كانت الطريقة الوحيدة لهذا الحزب لتجنب الأسوأ هو مواصلة الصمت، على عكس الحوثي»، مشيرا إلى أن «انقسام صنعاء ساعده على أن يتحرك ميدانيا، ويحيد هادي في خطابه».

وعد أن ما تحققه «حركة الحوثي، كانت إنجازات ضد الجميع، بما فيه المؤتمر الشعبي، الذي كان يفقد تحالفاته الاجتماعية لأنها ترى أن الحوثي أقدر على فرض مصالحها في دولة صنعاء». ويتابع الصوفي: «كلما اقترب الحوثي من صنعاء، زاد ارتباك قوى الحكم، وزاد الشك والشكوى بينها، حتى إنه حين وصل، لم يكن تحالف الحكم قادرا على اتخاذ أي قرار ملزم للجميع، فبسط الحوثي نفوذه وتركهم في دهشتهم وشكوكهم». وبحسب المحلل السياسي نبيل الصوفي، فإن سيطرة الحوثي على صنعاء كانت تعبيرا عن «أزمة التحالف الحاكم، فحتى المؤسسات التي سقطت بيده لم تسقط بالحرب بل، لسببين الأول: عدم ثقة قوى صنعاء ببعضها، والثاني أن هذه المؤسسات الرسمية لم تعرف أي شيء عن توجه الدولة». ويختم حديثه بالقول: «كانت أولويات الحوثيين هي نقل السلاح من صنعاء، وترك التطورات تقررها السياسة».

من جانبه، يرى الخبير العسكري العقيد أسامة الحلالي، أن ما حدث من انهيار لمعسكرات الجيش في صنعاء يرجع لعدة أسباب من أهمها العقيدة القتالية التي فقدها الجندي اليمني، وهو ما أثر في نفسيته بشكل كبير. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «عاش اليمن صراعات سياسية طويلة، وكان يجري استغلال الجيش من قبل كل الأطراف لمصالحها الخاصة بعيدا عن المصالح الوطنية، وهذه التراكمات جعلت الجندي مهزوما نفسيا رغم أنه يعرف أنه من أقوى المقاتلين».

وأشاد الحلالي بما قام به اللواء علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح (الإخوان المسلمون) ورفضهم دخول بلادهم في حرب أهلية، وهو ما يحسب لهم، مشيرا إلى أن الملعب الآن في يد الحوثيين وهم من يتحملون مسؤولية ما يحدث. ويقول: «لم ينجح نقل النموذج الليبي أو العراقي أو المصري إلى اليمن، فالشعب اليمني أثبت أنه فوق الحروب الأهلية رغم ما شهده من أحداث مؤسفة وهي حالة مؤقتة لن تدوم». واستبعد الحلالي انهيار الجيش بعدما حدث في صنعاء.. «فالجيش صامد ومتماسك ولا يزال الرهان عليه لحماة الوطن والشعب».

وطالب الخبير العسكري «الحوثيين وجميع الأطراف التي نهبت سلاح الجيش بالاتفاق على آلية بينها وبين الدولة لإعادة هذا السلاح للجيش»، عادا أن المؤشرات المستقبلية لذلك «إيجابية».

وتمكن الحوثيون من استغلال ضعف الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة وأجهزتها العسكرية والأمنية بسبب المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد، وتمكنوا خلال السنوات الثلاث الماضية من بسط نفوذهم على مناطق جديدة في شمال البلاد أبرزها عمران الجوف وحجة، حتى وصلوا في منتصف أغسطس (آب) إلى ضواحي العاصمة صنعاء وعمقها.

وبدأ الحوثيون حركتهم الاحتجاجية بإقامة مخيمات اعتصام وصل عدها إلى 10 تضم آلاف المسلحين بمحيط العاصمة صنعاء مدججين بمختلف أنواع الأسلحة، منذ 17 أغسطس الماضي، تحت لافتة مطالب شعبية لإقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة كفاءات، وإلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني.

وتأسست جماعة الحوثيين الشيعية على يد حسين بدر الدين الحوثي في بلدة مران الريفية في أقصى شمال البلاد عام 2004، وهي منطقة تعتنق المذهب الزيدي، وخلف مؤسسها الذي قتل في الحرب الأولى مع الدولة، في العام نفسه، شقيقه عبد الملك الحوثي الذي أعاد تنظيم الجماعة بمساعدة من إيران، كما تقول السلطات. وتمتلك الجماعة ميليشيات ومعسكرات تضم آلاف المسلحين المدربين في معقلها في صعدة، إضافة إلى المئات من المقاتلين الذين جرى تدريبهم على يد «حزب الله» وإيران. وتدفع الجماعة، بحسب مصادر قريبة منها، راتبا شهريا لكل مقاتل لا يزيد على 150 دولارا، يقودهم شخص يدعى «أبو علي الحاكم» الذي يعد القائد الميداني، وهو شاب ظهر اسمه بعد الحرب السادسة عام 2010، وأدانه أخيرا مجلس الأمن إلى جانب عبد الملك الحوثي بعد اتهامهما بالحرب على الحكومة واقتحام محافظة عمران ونهب معسكرات الجيش.

وتوضح مصادر مقربة من الحوثيين لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجماعة تقوم باستقطاب الشباب وصغار السن في صفوفها، في دورات تثقيفية تستمر شهرا، يدرسون فيها ملازم مؤسس الجماعة وفكرها ومحاضراته، بعدها يُرسلون إلى معسكرات خاصة لتدريبهم على مختلف أنواع الأسلحة، ويجري توزيعهم في مجموعات بعد إطلاق كنية لكل شخص يعرف من خلالها». أما أسلحة الجماعة فلا توجد هناك إحصائيات دقيقة عن حجمها، لكن من خلال الحروب التي خاضتها الجماعة منذ 2011 ضد القبائل والجيش في مناطق دماج وعمران وأرحب والجوف، فقد استخدمت الجماعة مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة كالدبابات والمدرعات والصواريخ المضادة للدروع، إضافة إلى الرشاشات بمختلف أنواعها، والكلاشنيكوف، وجميعها جرى الاستحواذ عليها من معسكرات الجيش خلال الحروب السابقة، إضافة إلى شحنات الأسلحة المهربة والقادمة من إيران، حيث جرى احتجاز أكثر من شحنة، أبرزها السفينة «جيهان2».

كما أن الجماعة رفضت صيغة الأقاليم الفيدرالية التي أقرها مؤتمر الحوار، والتي وضعت محافظة صعدة التي يسيطرون عليها ضمن إقليم «أزال» الذي يضم أيضا صنعاء وعمران وذمار، مما منعهم، بموجب هذا التقسيم، من الحصول على منفذ على البحر الأحمر، بعد أن جرى ضم محافظة حجة إلى إقليم تهامة (غرب البلاد).

ويقول الناطق الرسمي للجماعة محمد عبد السلام لـ«الشرق الأوسط»، إن من يتحكم في قرارات الجماعة ومواقفها «هو أن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي فهو من يصدر القرارات ويتشاور مع المجلس السياسي في أي نشاط مطلوب». واتهم ناطق الحوثيين «حزب الإصلاح الإسلامي» بالحرب ضدهم، وقال: «(الإصلاح) هو الذي تحرك بميليشياته العسكرية واستخدم التكفيريين والدواعش لمواجهتنا في أكثر من مكان، وهو الذي اختار هذه المعركة ورفض دعوات التقارب والحوار معنا في أكثر من موقف»، مشيرا إلى أن الحرب بينهم وبين «الإصلاح»، «هي بسبب مواقفه العسكرية في شن الحرب في أكثر من صعيد، آخرها ما يحصل هذه الفترة في محافظة الجوف». وتابع: «(الإصلاح) يستخدم الدولة وأجهزتها الرسمية خاصة التي تحت سيطرته لمواجهتنا».

من جانبه، عد نائب رئيس دائرة الإعلام في حزب الإصلاح عدنان العديني اتهامات الحوثيين لهم، أنها «اعتراف بأن أحد طرفي النزاع هو عبد الملك الحوثي، بينما الطرف الآخر لن يكون سوى الطرف المحلي بالتأكيد». وقال العديني لـ«الشرق الأوسط»: «موقفنا أن الاعتداء المسلح سلوك محرم دينيا ووطنيا وقانونيا؛ لأنه بعد أن يسقط حق الإنسان في الحياة يقوم بإسقاط كل حقوقه السياسية». وعد العديني أن «الحوثيين أصبحوا طرفا في الصراع ضد اليمنيين، ومحاولة صناعة الإصلاح كعدو لن يجدي في التغطية على الاعتراض الوطني ضد الحوثي»، مشيرا إلى أن «القلق الشعبي يزداد من الحوثيين بسبب موقفهم من الجمهورية وإصرارهم على العمل من خارج السياسة والدولة بالاعتماد الكلي على إراقة الدماء».

وتثار في الساحة اليمنية جملة من الأسئلة حول التمويل المالي الذي تحصل عليه الجماعة، حيث تجمع كل الأطراف على أنها تتلقى الدعم المالي من إيران، لكن من أبرز الأسئلة المثارة هي المتعلقة بالقدرة التسليحية للجماعة وأهدافها المستقبلية في اليمن، ورغم ما يطرح من سعي الجماعة للاستقلال بشمال البلاد، فإن الحوثيين أعلنوا أخيرا عدم رغبتهم في قيام كيان مستقل في شمال اليمن وأنهم مع دولة مستقلة وموحدة، غير أن تحالفاتهم، في الآونة الأخيرة، باتت واحدة من الظواهر المهمة، حيث تحالفوا مع عدو الأمس، وهو الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وأيضا مع الحراك الجنوبي المتشدد، إضافة إلى الوضع المستقبلي للجماعة على المستوى السياسي والعسكري.

وخلال الأشهر الماضية كشفت السلطات اليمنية أكثر من مرة عن محاولات إيرانية لإرسال أسلحة إيرانية متطورة إلى جماعة الحوثي عبر البحر، وضبطت عددا من السفن وهي تحمل أسلحة إيرانية مهربة إلى اليمن وجرت محاكمة بعض بحارة تلك السفن، ويجري الاتفاق في هذه الأثناء على نقل السلفيين من محافظة صعدة إلى محافظة الحديدة (تهامة) في ظل رفض تهامي لهذه الخطوة التي قد تطل بفتنة جديدة في هذا الإقليم الهادئ والمسالم، بحسب تعبير المراقبين.

ويرى الخبير والمحلل العسكري العميد متقاعد محسن خصروف في حديث سابق مع «الشرق الأوسط»، أن الصراع الإقليمي انتقل إلى اليمن، مشيرا إلى أن «إيران لديها ضلع في وجود الحوثيين وفي دعمهم ماديا وعسكريا»، مؤكدا أن اليمن لن يتعافى من الصراع المذهبي إلا إذا رفعت دول إقليمية يدها عما يجري في اليمن، لأن اليمنيين أصلا ليست لديهم صراعات مذهبية ولا يؤمنون بالصراعات المذهبية وهم متعايشون على مدى مئات السنين من دون صراعات، لا يوجد شيء اسمه صراع زيدي أو شافعي أو سني أو شيعي؛ جميعهم متحابون ومتعايشون ولا أحد يسأل عن مذهب الآخر عندما يدخل إلى الجامع، لكن الآن بدأت هذه الحساسيات وهذه الأطروحات».

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,722,440

عدد الزوار: 6,910,376

المتواجدون الآن: 111