لماذا ترتبط المعونات بفكرة التدخل الأجنبي؟

تاريخ الإضافة الأحد 6 كانون الأول 2009 - 10:02 ص    عدد الزيارات 1488    التعليقات 0

        

العدد 237، 06 ديسمبر 2009
لماذا ترتبط المعونات بفكرة التدخل الأجنبي؟

لماذا ترتبط المعونات بفكرة التدخل الأجنبي؟

 

تقرير واشنطن- رضوى عمار

 

كما سبق الإشارة في مقالتنا السابقة التي حملت عنوان " لماذا أخفقت جهود المساعدات الأمريكية لدعم الديمقراطية؟" أكدت الدراسة على عدد من التوصيات اللازمة لتحسين مستوى أداء الوكالة الأمريكية للتنمية في مجال المعونات الخاصة بالترويج للديمقراطية والحكم. إلا أنها لا تزال غير كافية أو معتدلة نسبيًا على حد تعبير الدراسة. فهي لن تشمل تغيير نطاق عمل الوكالة الأمريكية للتنمية في الديمقراطية والحكم، أو تغيير عمل المنظمات الأخرى التي تمول المعونة الأمريكية الخاصة بالديمقراطية.

المعونات وفكرة التدخل الأجنبي

أشارت الدراسة إلى أن عمل الوكالة الأمريكية للتنمية، فيما يخص مجال الديمقراطية والحكم هو عمل سياسي، والواقع أن كل مساعدات التنمية هي سياسية شكلاً ما. إلا أن هذا الملف هو الأكثر مباشرةً، أو بتعبير آخر سياسي بشكل صريح عن بقية الأشكال الأخرى للمعونات. وهو ما نجده على وجه التحديد في عمليات المنافسة السياسية من خلال الانتخابات، وعمل الأحزاب السياسية. فالمعونة في هذا الصدد تتعامل مع جهات فاعلة تتحدى الوضع السياسي الراهن، مثل نشطاء حقوق الإنسان، وغيرهم من منظمات المجتمع المدني، أو مع مصادر المعلومات والنقاش السياسي، على سبيل المثال- من خلال - دعم وسائل الإعلام المستقلة.

كما أنها قد تشمل أيضًا مساعدات تتعلق بالتربية المدنية الديمقراطية، والتي تثير الجدل في إطار النظر إليها من منطلق فكرة التدخل الأجنبي، وزرع ثقافات مغايرة في مناهج التعليم. وهو ما يتناقض مع ما بقية ملف الديمقراطية والحكم للوكالة الأمريكية للتنمية، ولاسيما البرامج المتعلقة بشئون الحكم وسيادة القانون. وذلك رغم ما تقدمه هذه البرامج من مساعدات لمؤسسات الدولة على نحو أكثر فعالية، إما مباشرة من خلال شراكاتها مع مؤسسات الدولة، أو مع جماعات المجتمع المدني التي تعمل على تحسين الحكم.

وأكدت الدراسة على أن نقل ملف الديمقراطية والحكم خارج إطار الوكالة الأمريكية للتنمية لا يعني التخلي عن الوكالة كلاعب كبير في مجال الديمقراطية والحكم. إلا أن نسبة محدودة من ميزانية الديمقراطية والحكم بشكل عام للوكالة الأمريكية للتنمية، ربما 150 مليون دولار إلى 250 مليون دولار سنويًا (من أصل إجمالي 1,5 بليون دولار)، تتوقف على الكيفية التي يتم تعريفها. ورغم ذلك ستظل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر ممول للمساعدات الديمقراطية والحكم بهامش كبير.

تنمية بلا ديمقراطية

أشارت الدراسة إلى أن الحجة الرئيسة التي يستند إليها من أجل استبعاد ملف الديمقراطية والحكم للوكالة الأمريكية للتنمية، هو ما تحويه من اعتبارات سياسية والتي لا تخدم أداء الوكالة الأمريكية للتنمية لسببين، الأول: أنه رغم ما تقوم به الوكالة الأمريكية للتنمية من إعادة تأهيل لإجراءات التشغيل الأساسية، فالوكالة الكبيرة قد لا تكون قادرة على التحرك في جميع أنحاء العالم بالمرونة والسرعة اللازمة التي يتطلبها طبيعة العمل في ملف الديمقراطية.

ثانيًا، العمل على الانتخابات والأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام المستقلة، والدعوة لحقوق الإنسان، وغيرها من البرامج السياسية تؤثر على علاقات الوكالة الثنائية، وهي تحتاج حتمًا إلى الحفاظ على علاقاتها الودية مع الحكومات السياسية المختلفة لصالح البرامج التنموية الأخرى.

كيان جديد

أشارت الدراسة إلى أن المعارضين لأي تقسيم لعمل الوكالة قد يدعون أن المشكلات البيروقراطية التي تعاني منها الوكالة الأمريكية للتنمية، من المرجح أن تظهر في أي مؤسسة أمريكية تقوم بهذا العمل. وفيما يتعلق بالكيان المؤسسي الجديد المحتمل، لملف الديمقراطية والحكم في الوكالة الأمريكية للتنمية، أشارت الدراسة إلى أن التحدي الرئيس يمكن أن يكون بالفعل بالنسبة لبعض المؤسسات هو إدارة مثل هذه المبالغ الإضافية الكبيرة من التمويل دون الانزلاق في أنماط البيروقراطية ذاتها التي تربك الوكالة الأمريكية للتنمية.

من ناحية أخرى، أشارت الدراسة إلى أن كلاً من وزارة الخارجية والمؤسسات الوطنية للديمقراطية قاموا بالفعل بتمويل برامج سياسية في مجال الديمقراطية والحكم. وكلاهما على حد سواء، سيتعين عليهما إجراء تغييرات مؤسسية رئيسة لاستيعاب مثل هذه الزيادة الكبيرة في التمويل. في حالة مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل Bureau of Democracy, Human Rights, and Labor في وزارة الخارجية، زيادة الميزانية التي تمتعت بها في السنوات الأخيرة لبرامج المعونة تضاءلت سمعتها بوصفها أقل بيروقراطية، وممولاً أكثر ديناميةً. فعدد ليس بقليل من المستفيدين من التمويل الذي تقدمه وزارة الخارجية في نطاق الديمقراطية يشكون من أن وزارة الخارجية هي بالفعل مقارنة بالوكالة الأمريكية للتنمية في بيروقراطيتها وأنها تفتقر إلى ما يكفي من القدرات التقنية في بعض المجالات التي تمولها.

على الجانب الآخر، أشارت الدراسة إلى أن الزيادة الكبيرة في ميزانية المؤسسة الوطنية للديمقراطية، مع الحفاظ على السرعة النسبية، والمخاطرة، والمرونة، التي تعللها المؤسسة الوطنية للديمقراطية- من المرجح أن تتطلب مضاعفة التغييرات الجذرية في مخصصات التمويل والهياكل الأساسية لمؤسسة الوطنية للديمقراطية. فمن المرجح أن تعني، على سبيل المثال، أن المؤسسة الوطنية عليها أن تتيح المنح الأساسية بشكل جيد يتجاوز الجهات الأربعة الرئيسة التي تحصل على المنح إلى مجموعة أكبر بكثير من المنظمات تتلقى حاليًا تمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية للعمل في مجال الانتخابات، والأحزاب السياسية، تطوير وسائل الإعلام، حقوق الإنسان، والتعليم المدني الديمقراطي. كما أنها تتطلب تغييرات أساسية أخرى، مثل الابتعاد عن –واشنطن حصريًا- لجهة أخرى تشمل المكاتب الإقليمية أو القطرية.

والمسألة الحاسمة التي تؤثر على ما إذا كانت وزارة الخارجية أو المؤسسة الوطنية للديمقراطية الأفضل في القيام على ملف الديمقراطية والحكم في الوكالة الأمريكية للتنمية هو مسألة العلاقة الأفضل بين الجوانب المختلفة لمعونة الديمقراطية، والسياسة الخارجية الأمريكية. فالبعض في الولايات المتحدة يميل إلى النظر لمعونة الديمقراطية باعتبارها أداة للسياسة الخارجية الأمريكية تخدم مصالحها. هذه النظرة اكتسبت قوة في السنوات الأخيرة كجزء من الاتجاه العام ما بعد 11 من سبتمبر محاولةً لتقديم المساعدة الخارجية الأمريكية في إطار أجندة الاستراتيجية الأمريكية، وهو جاء بشكل أكثر مباشرة مثل محاولة توظيف معونة التنمية لمواجهة الإسلام الراديكالي المناهض للغرب.

والالتزام بهذا الرأي من شأنه أن يكون في صالح تحريك مثل هذه المعونات إلى وزارة الخارجية. ويرى هؤلاء أن المعونة المتعلقة بالانتخابات والأحزاب السياسية تعتبر عنصرًا حاسمًا في السياسة الأمريكية في عديد من السياقات. كما كان الحال في الآونة الأخيرة في العراق وأفغانستان. ومن ثم فإن نقل نسبة كبيرة من مثل هذه المعونات خارج نطاق عملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية، يمكن من وجهة نظرهم، أن يكون من الخطأ.

رؤية مختلفة

وجهة نظر أخرى مختلفة، موجودة لدى آخرين في مجتمع السياسة الأمريكية: أن المعونة الأمريكية الخاصة بالديمقراطية عادة ما تكون أكثر كفاءة عندما يتم تمويلها وتنفيذها بعيدًا عن السياسة الخارجية الأمريكية. في هذه الرؤية، على الرغم من أن الشعور العام بأن تمويل المعونة الأمريكية في نطاق الديمقراطية هي جزء من السياسة الخارجية الأمريكية (نظرًا لما تنطوي عليه من إنفاق لأموال الحكومة الأمريكية)، المعضلة الحساسة لمثل هذه المعونة هو أنها تسهم بفعالية أكبر لهدف الولايات المتحدة الأسمى لدفع الديمقراطية في العالم يجب ألا يكون وثيق الصلة لأهداف السياسة الخارجية الأمريكية على المدى القصير.

فثمة من يقول- إنه أحيانًا يؤدي تسييس مثل هذه المعونة على سبيل المثال استخدام معونة الانتخابات أو معونة الأحزاب السياسية لدعم الحكومات أو الشخصيات السياسية المقربة من الحكومة الأمريكية إلى نزع شرعية هذه المعونة.

الالتزام بهذا الرأي من شأنه أن يتحرك لصالح نقل ملف الديمقراطية والحكم إلى المؤسسة الوطنية للديمقراطية بدلاً من وزارة الخارجية. فعديد من الناس في جميع أنحاء العالم يميلون إلى الافتراض بأن المؤسسة الوطنية للديمقراطية هي جزء من الحكومة الأمريكية لكنهم يميلون إلى أن وجود فرق حقيقي بين نهج المؤسسة الوطنية للديمقراطية ووكالات الحكومة الأخرى التي تمول برامج الديمقراطية بما يخدم مصالح أهداف السياسة الخارجية الأمريكية على المدى القريب. على سبيل المثال، توم ميليا Tom Melia أوصى بنقل جميع المعونات المقدمة للأحزاب السياسية من الوكالة الأمريكية للتنمية ووزارة الخارجية إلى المؤسسات الوطنية الديمقراطية، وتقديم زيادة كبيرة في ميزانية المؤسسة الوطنية للديمقراطية.

دعم البيت الأبيض

وفي نهايتها، أشارت الدراسة إلى أن الأمر يتطلب دفعة قوية ومتواصلة من البيت الأبيض ووزارة الخارجية، إلى جانب تعاون وثيق مع الكونجرس واستعداد لتبني المصالح الراسخة في كثير من الأوساط.

وأكدت الدراسة على كثرة الضغوط الملقاة على أجندة الرئيس أوباما خاصة بعد ما ألقاه من خطابات بلاغية تحدث فيها عن الديمقراطية في عديدٍ من خطاباته التي ألقاها في الخارج، مثل خطابه في القاهرة في يونيو، وأكرا في يوليو، والتي أشارت إلى اهتمامه بهذا المجال.

كما أكدت الدراسة على الجهد الجاد لتنشيط المعونة الأمريكية الخاصة بالديمقراطية والذي يمكن أن يشكل جزءًا مهمًا من إعادة صياغة أكبر للسياسات. فالولايات المتحدة هي أكبر ممول للبرامج الخاصة بمعونة الديمقراطية. والوكالة الأمريكية هي نقطة البداية لهذا التنشيط .

وفي هذا السياق، أشارت الدراسة إلى أن البيت الأبيض يقود مراجعة شاملة لسياسة التنمية، ووزارة الخارجية تقوم باستعراض للدبلوماسية والتنمية كل أربع سنوات. وهو ما قد يفتح الباب أمام إصلاحات أساسية للمعونة الأمريكية. إضافة إلى ذلك، فإن بعض الأعضاء النافذين في كل من مجلسي الشيوخ والنواب مهتمين بشكل أساسي بالإصلاح التشريعي الذي يتعلق بالمعونة الخارجية.

 

 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,178,871

عدد الزوار: 6,939,081

المتواجدون الآن: 116