ملف فلسطين..2024 ليست سنة حسم..عام ما بعد المفاجآت..«اليوم التالي» في غزة الآن قبل ضياع جيل آخر..دنيس روس يرسم لـ«الشرق الأوسط» الجدول الزمني الأميركي لمستقبل غزة بعد الحرب..

تاريخ الإضافة الخميس 28 كانون الأول 2023 - 4:44 ص    عدد الزيارات 278    التعليقات 0

        

2024 ليست سنة حسم..

الشرق الاوسط..عمرو موسى.. يطلّ العام الجديد على العالم خَجِلاً مما جرى خلال العام المغادر ومن ضعف الأمل في أن يأتينا هو بجديد. يكفي أن نلاحظ أن تجديد النظام الدولي متعدد الأطراف، أو بث طاقة من النشاط في عروقه، والذي كان محور نقاش في مراكز البحث وقاعات الدرس ومقالات الصحف ودردشات الميديا في أركان العالم الأربعة، قد تلقى ضربة موجعة بما حدث في مجلس الأمن في نيويورك أخيراً.

عُطّل مجلس الأمن عن أداء دوره، ومن ثم جرى تمكين دولة قائمة بالاحتلال العسكري غير المشروع من ممارسة القتل الجماعي، واستهداف مساحات سكانية هائلة محمية بمقتضى القانون الدولي؛ مما يعني انتهاء عصر الاستناد إلى القانون الدولي، أو احترام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وهذا له نتيجتان رئيستان؛ أولاهما أن الدول راعية النظام الدولي قد تخلت عنه وعن أساسياته، وأنها تسقطه إسقاطاً، والأخرى أن على الجميع أن يعي أن عليه البحث عن أسباب القوة التي أصبحت وسيلة حل النزاعات، وألا يصدقوا، بل أن يحذروا، ما تقوله لهم، أو تعدهم به الدول العظمى المفترض أنها راعية هذا النظام. ومن ثم يكون من حسن الفطن الاستعداد لسنوات، بل لعقود من الفوضى واختلال الأمن وخرق الحدود والمساس بسيادة الدول وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والخداع والكذب الرسمي، والعودة إلى سياسات التفرقة العنصرية وعدم التسامح الديني، بل عودة الاستعمار القديم وإن بأثواب جديدة تغطي أدرانه وبلواه.

أكاد أقول إن ما تحقق في القرن العشرين من حق تقرير المصير للشعوب وإزالة الاستعمار، وتحقيق استقلال الدول وعقود التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والعمل على دعم الأمم المتحدة وميثاقها ومؤسساتها لتحقيق علاقات دولية إيجابية مستندة إلى أطر متفق عليها من مبادئ القانون الدولي واتفاقياته ومحاكمه... كل هذا وكأنه اليوم يذهب مع الريح، بعد أن كشفت الدول التي ادعت رعايتها لعالم ديمقراطي حر مستند إلى جملة من الترتيبات، التي تُرسي «نظاماً دولياً رشيداً»، عن مضمون مصاب بازدواجية المعايير، وممارسة التمييز وغرور القوة، والتفرقة العنصرية، واحتقار الآخرين الذين هم دول وشعوب العالم الثالث الذي يسمى الآن الجنوب العالمي. إن ذلك يشي بمواجهة طويلة المدى تنتهي نهايةً قد لا تبقي ولا تذر، وكيف لا وقد أصبحت الحماقة سيدة الموقف في رسم السياسات وحماية الجرائم والاستغناء عن النظام الدولي. وإذا عدنا إلى منطقتنا التي تسمى الشرق الأوسط، والتي يجب تسميتها «العالم العربي وآخرون»، فقد واكبنا في السنوات الماضية منذ عام 2011 ممارسات سياسية آتية عبر الأطلنطي سميت «الفوضى الخلاقة»، كان من نتائجها هذا الذي لا نزال نراه في ليبيا والسودان واليمن وسوريا ولبنان، بعدما جرى من تدمير العراق؛ وهو الأمر الذي لا تزال تونس تجاهد للتخلص من آثاره. ولم تنجُ منه إلا مصر التي وعت بأبعاده مبكراً، رغم أن المحاولة لا تزال جارية، وتتخذ أشكالاً مختلفة؛ منها ما هو في البر، وما هو في البحر، وما هو في النهر وغير ذلك. وكان أحد الأهداف الرئيسية لسياسات «الفوضى الخلاقة» إزالة القضية الفلسطينية من قائمة أولويات المشاكل، ثم إزاحتها كلياً بدعوى أنها من مخلفات الماضي ومعوقات المستقبل.

لكن الأمور ما لبثت أن انكشفت تماماً، حين ظهرت السياسات الإسرائيلية المُغرقة في العنف وفي العنصرية، بل وفي الجشع للاستيلاء على الأراضي، وعدم الاهتمام بمصير الإنسان العربي تحت الاحتلال، بل الإنسان العربي عامة ولا برد فعله، والتفرقة إزاءه وتحقيره وإهانته، وهي سياسات كان من المنطقي أن تعزز الاضطراب وتوطد للنزاع وتمهد لوقوع الانفجار. وقد حدث ذلك فعلاً، وعاينه العالم مندهشاً، في صبيحة يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

الآن، تخضع احتمالات مستقبل التطورات في القضية الفلسطينية للبحث، وقد يكون عام 2024 هو الوعاء الزمني الذي يسمح بتبادل الرأي فيما يجب عمله. والآن، تخضع احتمالات مستقبل التطورات في تلك القضية الحيوية للبحث، وقد يكون عام 2024 هو الوعاء الزمني الذي يسمح بتبادل الرأي فيما يجب عمله... فأولاً، من المستحيل القبول بالسياسات الإسرائيلية السابقة على 7 أكتوبر (في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة)، أي تكريس الاحتلال بالوسائل الدموية والخداعية وغيرها. ثانياً، من الضروري التوجه الجدي نحو إقامة الدولة الفلسطينية الحقيقية، ورفض الترديد العشوائي لهذا الهدف (Lip service) وتحويله سياسات فاعلة. قد يقول قائل أكثر دراية: وكيف لنا بذلك؟ وأقول بأن نبدأ بما هو ممكن وفي أيدينا أن نفعله فورياً ومبكراً في العام الجديد، وهو ضم الصفوف العربية (بقدر الإمكان عدداً وتوافقاً على مضمون السياسات)، وشرط النجاح هنا هو الحذر من الوقوع في شراك الابتسامات الغربية الفاتنة ووعودها غير المخلصة وسياساتها القادرة على إيقاع الفرقة. كما أن من الممكن أن نساعد إخواننا في فلسطين لضم صفوفهم وإصلاح علاقاتهم في ما بينهم، وتقليل قابليتهم للاختراق، والخروج بمبادرة (في إطار المبادرة العربية لعام 2002) يلتزمون بها جميعاً، وتلتزم بها معهم دول الجامعة العربية كموقف عربي يُعاد تأكيده وتوحيده مع الاتفاق على عدم الخروج عنه مرة أخرى، خصوصاً في ضوء الموقف العنصري المتطرف للحكومة الإسرائيلية. هذه بدايات ممكنة، يُضاف إليها رهن تطوير العلاقات العربية مع إسرائيل بضرورة توقف الأخيرة عن بناء المستوطنات رسمياً وفعلياً، والامتناع عن تدمير القرى والمباني الفلسطينية وطرد سكانها، وعن اختراق (تدنيس) المسجد الأقصى. مثل هذه المواقف العربية ممكنة، وتستطيع إحداث اختراق في سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية المدعومة غرباً. أما عن الجانب الإسرائيلي، فرغم النداءات المتوالية لحركة السلام الإسرائيلية لتخرج إلى العلن رافضة لسياسات حكومتهم الحالية وممارساتها اللاإنسانية في غزة ضد سكانها المدنيين، لم نسمع منهم صوتاً. غني عن البيان أن حكومة إسرائيلية كتلك الحالية وتحت رئاسة بنيامين نتنياهو لا يمكن أن تكون مفاوضاً مقبولاً للسلام العادل، تماماً كما أن مفاوضاً فلسطينياً منقسماً ضعيفاً لن يكون مفاوضاً فعّالاً يأتي للشعب الفلسطيني بحقوقه.

كل هذا يجب أن يتغير... فهل يكفي عام 2024 لإحداث ذلك؟

قد يقتصر هذا العام، على الأقل، على إحداث الحركة نحو موقف عربي أفضل، ووضع فلسطيني أكثر صحة، كما أنه قد يشهد تغييراً جذرياً في الحكومة الإسرائيلية، لكنه مع ذلك لن يكون كافياً لإحداث ما نرجوه من حسم.

 

عام ما بعد المفاجآت

الشرق الاوسط..نبيل عمرو.. هذه الجولة من الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية المزمنة، عرف العالم كيف بدأت ومتى، ولا يعرف متى تنتهي، وكيف. وتختلف هذه الجولة عن سابقاتها بكثير من المفاجآت.

المفاجأة الأولى: إسرائيل

فوجئت الدولة العبرية وهي تحتفل بيوم كيبور، باجتياح واسع لمستوطنات غلاف غزة من قبل حركة «حماس»، وما إن استفاقت من غفوتها الأقرب إلى الغيبوبة كانت «حماس» قد قتلت مَن قتلت ودمرت ما دمرت، واقتادت أكبر عدد من الأسرى إلى غزة، وذلك في عز الظهيرة.

المفاجأة الثانية: «حماس»

الحركة المتواضعة القدرات قياساً لما لدى الخصم فوجئت.

وهذه المرة لم يكن ما فوجئت به من جانب الخصم، بل من جانبها هي، إذ لم تكن لتتوقع هذا القدر من النجاح، وهذه «الغلة» من الغنيمة، وذلك يعني أن ردّ الفعل الإسرائيلي لن يكون بهذه الضخامة، ولكان على غرار الردود السابقة، مع تقدير أن الاجتياح البري يظل مجرد احتمال تفاوتت تقديراته من «مستبعدة» إلى «محدودة» إلى «حتمية».

المفاجأة الثالثة: أميركا

في مخيلة العالم انطباع راسخ بأن استخبارات الدولة العظمى وفرعها الإقليمي، إسرائيل، لا تعرف فقط كل ما يجري فوق الأرض وتحتها، بل وتعرف ما الذي سيحدث غداً وبعد غد.

فوجئت الدولة العظمى، إذ أُصيبت بالذهول، ولم تمهلها الصدمة بعض الوقت لدراسة متأنية لما حدث، بل بدا كما لو أنها سحبت المسدس على الفور. إذ أمرت حاملات طائراتها العملاقة بالتحرك، إلى أقرب مكان قبالة غزة وإسرائيل، وسارع الرئيس بايدن إلى إرسال وزير خارجيته تمهيداً لزيارته المتعجلة، وبدأت إدارات مؤسسات الدولة العظمى تستعد لمواجهة خطر يتهدد وجود الدولة العبرية، وينذر بحرب إقليمية واسعة، تكون المصالح الأميركية «المكشوفة» هدفاً لها.

المفاجأة الرابعة: المعادلة القديمة لم تعد تعمل

التقديرات البديهية من جانب أميركا للقوة العسكرية الإسرائيلية كانت بأنها قادرة على إنجاز المهام المحددة في أيام أو حتى أسابيع قليلة.

والتقديرات ذاتها كانت من جانب إسرائيل التي لا تزال تعدّ الحرب، خصوصاً على غزة، مجرد عمل تأديبي يسفر عن موت ودمار حجمه أضعاف مضاعفة لما تخسر هي، إذ أوهمت نفسها بأن غزة تحت السيطرة، وأن الحصار المحكم عليها وبعض القصف يكفيان لإسكاتها، وما من حرب صغيرة أو كبيرة إلا وكانت تنتهي بتهدئة، أو هدنة متوسطة أو طويلة الأمد.

كانت إسرائيل تحافظ على التهدئة بالرشوة من نوع زيادة أعداد العمال، وتوسيع مساحة الصيد البحري، وأشياء أخرى في غاية المحدودية والفاعلية والرخص، حتى إنها استقرّت في أمر حماية حدودها الجنوبية على معادلة تنطوي على قدر كبير من الاطمئنان بأن غزة لن تفعل شيئاً.

يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) فوجئ الحليفان الشريكان، أميركا وإسرائيل، بأن المعادلة القديمة مع «حماس» لم تعد تعمل.

المفاجأة الخامسة: المقاومة

تعوّدت إسرائيل على هدوء بدا مريحاً على جبهة غزة، ما وفّر لها إمكانات إضافية للتفرغ الكامل للضفة، التي تعدّها هدفها المركزي. والضفة تعني (والقدس في قلبها)، التحدي الأكبر والأخطر لإسرائيل، فهي الجغرافيا الأوسع والمداخل والمخارج العديدة التي توصل إلى كل مكان في إسرائيل. والمستوطنات الفارغة والمكتظة تغطي كل الضفة الغربية من أقصى جنوبها إلى أقصى شمالها، وما يختلف عن غزة... أن الاستيطان لا يزال قائماً وأن المستوطنين الذين يعدون بمئات الألوف، هم الاحتياطي الجاهز دون حاجة إلى استدعاء.

المقاومة في الضفة لا تحمل أي عنصر مفاجأة فهي عمل يومي، أما في غزة فالأمر هذه المرة اختلف عن كل المرات السابقة.

والمفاجأة أن الجيش الإسرائيلي بكامل عدته وعديده وعتاده، فوجئ بضراوة المقاومة على أرض غزة، ما جعل من تقديرات الجنرالات بأن الحرب مسيطر عليها من البداية إلى النهاية وبالتوقيت، أمراً لم يعد في متناول اليد، فها هم يحاربون على كل متر مربع من القطاع الذي هو بكل المقاييس العسكرية أضيق مكان على وجه الأرض يتعرض لأكبر قدر من النار، دون أن تلوح في الأفق نهاية حاسمة وفق الأهداف الإسرائيلية التي أُعلنت. وهذه الحرب تتميز بأن كل مفاجأة فيها تجر مفاجآت تالية، وكل التقديرات التي استُخلصت من الحروب السابقة لم تعد ذات قيمة.

المفاجأة السادسة: شوارع العالم

نامت إسرائيل على صدى روايتها المشتركة مع أميركا بأن حرب غزة هي حرب على «داعش» وما وصفته بـ«الفرع الفلسطيني له». عمّرت هذه الرواية أياماً قليلة، إلا أنها تراجعت واضمحلت، ولم تعد قابلة للنقاش، فإذا بالسلوك الإسرائيلي يبدو «داعشياً» أكثر منه حرباً دفاعية كما قيل في البداية. ما أيقظ ضمير العالم الذي هزه تدمير غزة، وقتل آلاف المدنيين ونصفهم من الأطفال، ذلك دون إحصاء مَن لا يزالون تحت الأنقاض، فأضحى مصطلح دفاع إسرائيل عن نفسها مجرد هراء لا يأخذ العالم به. وهذا لم يفاجئ الإسرائيليين على الصعيد الدعائي والرواية فقط، وإنما على الصعيد السياسي، إذ أجمع العالم على أن الخروج من هذه الدوامة، هو الذهاب إلى حل سياسي جذري للقضية الفلسطينية، بعد أن تأكد من أن تصفيتها أضحت مستحيلة وهذه ربما تكون المفاجأة السابعة. بعد نهاية هذا العام سنواجه في العام الجديد احتمالين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي؛ الأول أن يذهب العالم بجدية نحو حل الدولتين بما يوفر فرصة حقيقية لقيام دولة فلسطينية. أمّا الثاني، فهو أن تفتر همة العالم ليعود حل الدولتين من جديد مجرد شعار تملك إسرائيل قدرة على إعاقة تنفيذه.

 

«اليوم التالي» في غزة الآن قبل ضياع جيل آخر

الشرق الاوسط..مارا رودمان.... «إننا نؤمن بحمل السلاح دفاعاً عن النفس ولردع العدوان. ولكننا نؤمن أيضاً بالسلام عندما يقوم على العدل والإنصاف، وعندها يُنهى الصراع. ولا يمكن أن تزدهر العلاقات الطبيعية بين شعوب المنطقة، وتسمح للمنطقة بمتابعة التنمية بدلاً من الحرب، إلا في سياق السلام الحقيقي».

أدلى الملك عبد الله، وكان ولياً للعهد وقتذاك، بهذا التصريح أمام الجامعة العربية في عام 2002، داعياً إلى تبني المبادرة السعودية الداعية إلى إقامة علاقات طبيعية وضمان أمن إسرائيل مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين.

وفي بيان مشترك صدر عن الأمير عبد الله والرئيس جورج دبليو بوش عام 2005، وجهت الولايات المتحدة الشكر بشكل خاص إلى الملك عبد الله على «مبادرته الجريئة التي تبناها بالإجماع والتي تسعى إلى تشجيع السلام الإسرائيلي الفلسطيني والإسرائيلي العربي». وقال البيان إن «الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ترغبان في التوصل إلى تسوية عادلة عن طريق التفاوض تعيش فيها دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، جنباً إلى جنب في سلام وأمن».

قبل عام من المبادرة السعودية تلك، كان الرئيس كلينتون قد وضع المعايير المتعلقة بالأرض والأمن والقدس واللاجئين، في خطاب ألقاه في يناير (كانون الثاني) 2001، وقال: «فيما يتصل بحل الخلافات المتبقية، سواء جاءت اليوم أو بعد سنوات عدة من الحسرة وسفك الدماء، فإن الخيارات الأساسية المؤلمة، وإنما الضرورية، سوف تظل بلا أدنى شك كما هي».

كانت الانتفاضة الثانية في أيامها الأولى أثناء خطاب كلينتون. وقد أسهمت في التحركات الإسرائيلية نحو الانفصال من جانب واحد: انسحاب وإبعاد المستوطنين من غزة عام 2005، وبناء الجدار الأمني في الضفة الغربية.

وفي السنوات اللاحقة، ظهر العديد من مبادرات السلام، على الرغم من عدم تنفيذ أي منها باستراتيجية سياسية قادرة على كسب الدعم أو الإسناد المطلوب من جميع الأطراف. تضمنت «اتفاقيات إبراهيم»، الموقعة عام 2020، تدابير بين إسرائيل وغيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية، كانت قد اقتُرحت سابقاً في سياق جهود السلام السابقة، ولكنها نُفذت بأقل قدر من المكاسب للفلسطينيين.

وبعد جيل كامل، تبدو الجولة الأخيرة من الحرب - التي أطلق لها العنان في 7 أكتوبر (تشرين الأول) بـ«هجوم (حماس) الإرهابي والوحشي» على الإسرائيليين - متنافرة إلى درجة كبيرة، ومدمرة إلى حد مذهل أعمى بصائر العديد من الناس، إلى الحد الذي جعل هؤلاء الذين استهلكتهم الأحداث الجارية يفتقرون إلى الحسّ اللازم حتى يروا أفقاً أفضل ممكناً.

ومع ذلك، لا بد من إعادة قراءة خطاب الرئيس كلينتون، أو خطاب الملك عبد الله في بيروت، أو البيان المشترك للرئيس بوش والملك عبد الله. ففي الحقيقة، أصبحت كلماتهم المتماسكة بشكل لافت والنابعة من فَهْم عَميق للأمور قابلة للتطبيق اليوم بصورة صارخة. وإذا كان العالم في حاجة إلى حجة مقنعة تبرر كارثية شعار «النهر إلى البحر» في واقع الدولة الواحدة، سواء كانت نسخة متطرفة من فلسطين أو إسرائيل، فإننا نشهد الآن كيف تتبدى الوقائع على الأرض.

وتشكل رؤية «الدول تقف جنباً إلى جنب» الأمل الوحيد في إمكانية إحلال السلام والأمن المستدامين. فحل الدولتين على هذا النحو وحده لن يخدم مصالح الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، وإنما أيضاً مصالح بلدان المنطقة والعالم. والولايات المتحدة لا غنى عنها للمساعدة في تحقيق هذه الغاية. فهي أولاً تتمتع بتاريخ ثري من الالتزام الرئاسي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فضلاً عن شبكة من العلاقات البناءة التي تفتقر إليها الصين وروسيا.

كيف نصل إلى تلك الغاية من هذا المنطلق؟ هذه خطوات خمس قد تشكل بداية مناسبة.

بداية، لا بد للمملكة من تفعيل دورها في عمليات السلام بوصفها بوابة وإطاراً توجيهياً للمراحل المقبلة.

ثانياً، وفي أقرب فرصة، حتى قبل انتهاء الهجوم الإسرائيلي ضد القيادة العسكرية لـ«حماس»، يحتاج الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية إلى أن يروا ويشعروا بأن ثمة طريقاً إلى غد أفضل. وهذا يتطلب إنشاء بنية مؤقتة للحكم والأمن تكون بمثابة أداة انتقالية قادرة على دفع الأمور نحو إقامة دولة فلسطينية مستدامة. وفي ظل هذه البنية، ينبغي ألا يخاف الفلسطينيون من الانتقاد العلني لأولئك الذين هم في السلطة، والعمل على توفير المياه والكهرباء والغذاء، وإعادة بناء أسرع للمنازل والمدارس والمستشفيات وتأمين فرص عمل جيدة. كذلك يحتاج سكان الضفة الغربية إلى أن يروا محاكمة واضحة للمستوطنين الإسرائيليين من قبل السلطات الإسرائيلية في الوقت الحقيقي بسبب سلوكهم التعسفي.

ثالثاً، لا بد من دفع التحالف العربي (المصري - الأردني - الخليجي) إلى الأمام، وأن تشارك السلطة الفلسطينية في شكلها وهيكلها الحاليين في المقعد الأمامي إلى أن تتمكن من تولي القيادة. ومن شأن هذا التحالف أن يدعو الأمم المتحدة إلى ممارسة وإعادة بناء بنيتها التحتية المدنية القائمة، والعمل مع الآخرين لضمان الأمن الكافي لحماية حياة الفلسطينيين اليومية، ووقف التهديدات المستجدة التي قد تشكّلها «حماس» في الداخل أو لإسرائيل.

رابعاً، يتعين على إسرائيل أن يحكمها تيار الوسط السياسي؛ حيث تقع الغالبية الإسرائيلية. ويتوقع الإسرائيليون إجراء تحقيق شامل في إخفاقات القيادة التي ربما تكون قد أسهمت في عدم الاستعداد لهجمات 7 أكتوبر؛ ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى ظهور رئيس وزراء جديد، وائتلاف حاكم أكثر وسطية. وخلال هذه الفترة، سوف يحتاج الإسرائيليون إلى استعادة الثقة بقدرة الدولة على ضمان أمنهم وسلامتهم، حتى في الوقت الذي يعيدون فيه اكتشاف الصلة بين أن يكونوا ديمقراطية قوية وبين توفير وطن مستدام للشعب اليهودي.

خامساً وأخيراً، سوف يحتاج المجتمع الإقليمي والدولي، ومن ضمنه إسرائيل، إلى تقديم دعم كبير لهذه الجهود.

ولا ينبغي لنا أن نتوقع من الفلسطينيين أو الإسرائيليين وحدهم أن يتمكنوا من تغيير مفاجئ للأوضاع في أي اتجاه، فيصبحون فجأة أكثر وضوحاً في النظر إلى حل الدولتين بوصفه الحل الذي يحتاج إليه كل من الشعبين؛ خصوصاً الجيل القادم الذي عاقته السياسة والساسة المفتقرون إلى تلك الرؤية وذلك التركيز.

وبوسع زعماء المنطقة، الذين وقعوا أو قد يوقعون اتفاقيات سلام، بالشراكة مع الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف الخارجية الداعمة، أن يضطلعوا بدور رئيسي في ترسيخ هذا الوضوح، وفي ضمان مصداقية المسار الذي يؤدي إلى إقامة دولتين، ومستقبل أكثر استقراراً وأمناً واستدامة وديمقراطية.

 

دنيس روس يرسم لـ«الشرق الأوسط» الجدول الزمني الأميركي لمستقبل غزة بعد الحرب

اقترح قوة أممية انتقالية على غرار كمبوديا قبل عودة السلطة وإجراء انتخابات

الشرق الاوسط..واشنطن: علي بردى.. يرسم دنيس روس خطاً زمنياً هو الأول من نوعه لما تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه في غزة بعد انتهاء الحرب: مرحلة انتقالية مؤقتة تمتد من عام إلى عامين بقوة دولية شبيهة بالسلطة الانتقالية للأمم المتحدة في كمبوديا لملء الفراغ بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، بالتزامن مع «إصلاح» السلطة الفلسطينية و«تنشيطها» قبل إعادة سيطرتها على القطاع، والشروع في عملية «إعادة إعمار ضخمة» بدعم عربي ودولي، وبطريقة تكفل عدم عودة «حماس» التي «لن يكون للفلسطينيين مستقبل معها»، ثم إجراء انتخابات في غضون 18 شهراً.

روس الدبلوماسي الأميركي الذي اضطلع بدور بارز في تشكيل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبخاصة في ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، معروف أنه انخرط بشكل كبير في عملية السلام خلال التسعينات من القرن الماضي، وقام بـ«دور حاسم في المفاوضات التي أفضت إلى توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993» التي كانت «خطوة مهمة نحو حل الدولتين»، فضلاً عن أنه كان كبير المفاوضين خلال قمة كامب ديفيد لعام 2000 في عهد الرئيس بيل كلينتون، قبل أن يشغل منصب المنسق الخاص للشرق الأوسط في عهد الرئيس جورج بوش الأب، ثم مستشاراً خاصاً لشؤون الخليج العربي وجنوب غرب آسيا لدى وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون.

هجوم بـ«كارثتين»

كان وقْعُ 7 أكتوبر (تشرين الأول) بادياً في كل جوانب الحوار مع دنيس روس. على رغم خبرته الواسعة في شؤون الشرق الأوسط ومنازعاته، لا يخفي أنه فوجيء ليس فقط بـ«جهل» الأجهزة المخابراتية والأمنية بما كانت تخطط له «حماس»، بل أيضاً بـ«الانحلال الأخلاقي» الذي أظهره مقاتلو الحركة خلال هجماتهم ضد المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع. هذا الهجوم «من وجهة نظر شخص يعتقد أن التعايش ممكن» بين الشعبين، قاد إلى «كارثتين»، الأولى في إسرائيل، والأخرى في غزة.

لم يكن عنصر «المفاجأة» هذا سوى مؤشر إلى رد الفعل الاستثنائي الذي عبّرت عنه الولايات المتحدة على كل المستويات تقريباً. يعكس كلام المبعوث الأميركي المقرب للغاية من دوائر صنع القرار لدى إدارة الرئيس جو بايدن، من أي منظور يتابع المسؤولون الكبار في واشنطن، وبينهم الرئيس بايدن نفسه ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان، والمسؤولون الآخرون في الحزبين الديمقراطي والجمهوري وغيرهم، تطورات الحرب في غزة وتداعياتها. يرسم انطلاقاً منها صورة أوضح للنتائج المتوخاة من الحرب: تدمير «حماس» أولاً، ثم الشروع في مرحلة انتقالية تسبق إعادة غزة بالتزامن مع إعادة إعمارها، إلى سلطة فلسطينية معززة - ولكن منزوعة السلاح، وتنتهي أخيراً بتسوية على أساس حل الدولتين.

رقعة الحرب

الدبلوماسي الذي بدأ عمله في وزارة الخارجية في السبعينات من القرن الماضي، ونشر مجموعة كتب عن عملية السلام، ومنها «العلاقة الأميركية - الإسرائيلية من ترومان إلى أوباما: محكوم عليها بالنجاح» و«الأساطير والأوهام والسلام: إيجاد توجه جديد لأميركا في الشرق الأوسط» (مع خبير معهد واشنطن لعملية السلام ديفيد ماكوفسكي) و«السلام المفقود: القصة الخفية للكفاح من أجل السلام في الشرق الأوسط»، ركز في حواره مع «الشرق الأوسط» على الأبعاد الاستراتيجية للواقع الجديد الذي نشأ بسبب هجوم 7 أكتوبر الماضي.

قرأ روس ما تلا الهجوم من قرارات الحرب إسرائيلياً وأميركياً، في ظل مخاوف من امتداد شراراتها في اتجاهات مختلفة، أقربها بسبب العنف المتصاعد من المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وارتفاع حدة الاشتباكات بين القوات الإسرائيلية و«حزب الله» بما ينذر بانزلاق يؤدي إلى فتح الجبهة اللبنانية، وربما السورية.

أما أخطرها عربياً فيتصل بمخاوف مشروعة من نيات مبيّتة لتهجير فلسطينيي غزة نحو مصر والأردن، في ما يخشى أن يكون «نكبة ثانية». الأميركيون يتحسّبون خصوصاً لاحتمال تورط إيران في مواجهة مع إسرائيل، في خطوة يمكن أن تقود إلى تدخل مباشر من الولايات المتحدة والدول الكبرى.

«هجوم للإذلال»

يقول دنيس روس، الذي عاين هجمات «حماس» ضد إسرائيل منذ التسعينات إن إيران «لم تكن ربما على علم مسبق» بهجمات «حماس». غير أن ذلك «لا يرفع عنها المسؤولية»؛ لأن الحركة جزء من «محور المقاومة»، الذي يسميه هو «محور البؤس»، مؤكداً أنه لم يتوقع على الإطلاق أن تنفذ الحركة الفلسطينية المتشددة هجوماً كالذي حصل في أكتوبر الماضي؛ لاعتقاده أن «إسرائيل ستكون أفضل استعداداً مما كانت عليه» لأن لديها «مزيجاً من المعلومات الاستخبارية والاستعداد العسكري الذي سيمنع أي شيء من هذا القبيل».

لم يتخيل أن مقاتلي الحركة «سيعذبون الناس قبل أن يقتلوهم» في ما يصفه بأنه «نوع من الانحلال الأخلاقي» الذي برر «احتجاز أكثر من 240 رهينة، بما في ذلك أطفال لا تتجاوز أعمارهم الأشهر التسعة». على رغم أن ماضي الإسرائيليين «حافل بالمآسي»، يسيئه خصوصاً ما يسميه «الاحتفال بالتعذيب» و«الاستمتاع بالقتل» خلال هجوم مقاتلي «حماس» في ما «كان مصمماً للإذلال والتجريد من الإنسانية»، عادّاً أن تلك «كانت كارثة في إسرائيل الآن، ثم كارثة كما نشهد الآن في غزة».

وإذ ينظر إلى ما يحدث الآن، يخلص إلى أن «علينا جميعاً أن نتعامل مع المستقبل ليس بكونه المستقبل الذي نعود فيه إلى 6 أكتوبر 2023»، الواقع «الوحيد الذي من شأنه أن يجعل هذه الكارثة أسوأ». ويتعامل بحذر مع مقولة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن «ما حدث في 7 أكتوبر لم يأت من فراغ»؛ لأنها يمكن أن تشي بأن «ما فعلته (حماس) كان مقبولاً بطريقة أو بأخرى». جوابه هو «لا» الناهية الجازمة. غير أن سؤالاً مثل: «هل يجب أن ينتهي الاحتلال؟»، يقابله الجواب: «نعم، يجب أن ينتهي بطريقة تتفق مع أمن إسرائيل».

مَن يمثّل الفلسطينيين؟

سيمر الإسرائيليون، في رأي روس الذي اضطلع بدور رئيسي في رسم معالم الدور الأميركي خلال إدارته عملية السلام في عهدي الرئيسين جورج بوش وبيل كلينتون وتيسيره اتفاق أوسلو الثاني لعام 1995، بعملية «حساب سياسي» بسبب 7 أكتوبر، متوقعاً أن يكون «المستقبل السياسي في إسرائيل مختلفاً عما هو اليوم» بالتزامن مع «نقاش بحثي جاد للمرة الأولى حول ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة مع الفلسطينيين»؛ لأن الإسرائيليين «لم يناقشوا» اتفاق أوسلو الذي جرى التوصل إليه عبر «قناة سريّة» بإشراف رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين.

وكذلك كان الأمر عندما قرر رئيس الوزراء السابق أرييل شارون الانسحاب من غزة في سبتمبر (أيلول) 2005. ويرى أن النقاش «يجب أن ينعكس بين الفلسطينيين أيضاً» للرد على التساؤلات: «هل تمثل (حماس) وجهة النظر الفلسطينية؟ أم أن الذين يؤمنون بالعيش المشترك يمثلون وجهة النظر الفلسطينية؟».

حل الدولتين

وإذ يقطع الأمل نهائياً في أي مستقبل للفلسطينيين مع «حماس»؛ لأن «هدفها لا يتعلق بإنهاء الاحتلال»، بل بـ«إنهاء إسرائيل»، يقترح روس «خياراً آخر» يشبه ما حصل «في 1 سبتمبر 1982، بعد حصار تسعة أسابيع من الحصار الإسرائيلي، حين غادر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات و11 ألفاً من منظمة التحرير الفلسطينية لبنان إلى تونس».

وفي دلالاته على أن «(حماس) ترفض حل الدولتين»، يستعيد كيف كانت الحركة تلجأ إلى التفجيرات لتحول دون «حل الدولتين» حتى في أعقاب اغتيال رابين، حين أعلن «الفلسطينيون الحداد أيضاً؛ مما أوجد رابطة حقيقية في عيون الإسرائيليين».

ويحذّر من أنه «إذا خرجت (حماس) من هذه الحرب وكأنها انتصرت»، سيندفع الإسرائيليون إلى مواقف أكثر تشدداً وسيبنون الجدران أعلى وأعلى»، ملاحظاً أن محادثاته مع المسؤولين العرب الآن «تشي باستعداد للقيام بعمل عملي لصالح الفلسطينيين أكثر مما رأيته من قبل»، إن لجهة إعادة إعمار غزة، أو لجهة «إصلاح» السلطة الفلسطينية.

وإذ يدعو إلى «معالجة» كل المسائل في سياق «عملية جامعة»، يرى أن «المرحلة الأولى من إعادة بناء غزة يجب أن تضمن عدم إعادة تسليحها». أما الثانية، فتشمل «إعادة صوغ وتنشيط السلطة الفلسطينية» في ما يمكن أن يستمر «سنة أو سنتين»، مشدداً على دور الدول العربية في إيجاد «أفق سياسي» لكي «يكون هناك إحساس بماهية نقطة النهاية بين الإسرائيليين والفلسطينيين».

ويرى أن الدور الأميركي سيكون «تحديد الوجهة السياسية: دولتان لشعبين» تحت شعار «إنهاء الاحتلال بما يتوافق مع الحاجات الأمنية الإسرائيلية»، ومعالجة ما يحتاج إليه الفلسطينيون، وهو «معرفة أنه ستكون هناك نهاية للاحتلال»؛ لأن «(أوسلو) فشل لأنه لم ينه الاحتلال».

جداول زمنية

يعرف دنيس روس، أنه «يتعين علينا أن نتجاوز العنف» قبل القيام بأي أمر آخر لوضع «اللبنات الأساسية»، وأولها اللبنة المتعلقة بطبيعة «الإدارة في غزة» قبل عودة السلطة الفلسطينية، وهي «إدارة مؤقتة تحت مظلة دولية، يفضّل أن تكون بتفويض من الأمم المتحدة»، موضحاً أنها ستكون «إدارة مدنية يدير فيها التكنوقراط الفلسطينيون الواقع اليومي في غزة» من غير أن تكون «واجهة لـ(حماس)»، وفي ظل «قوة مختلطة، قوة شرطة أكثر من أي شيء آخر تساعد على ضمان القانون والنظام»، مع إعداد «برنامج إعادة إعمار ضخم مع آلية لضمان أن المواد تذهب إلى الغرض المقصود»، على أن يكون «مرتبطاً بنزع السلاح وعدم إعادة التسلح داخل غزة». ويلي ذلك خطوة إجراء الانتخابات في غزة والضفة الغربية «في غضون 18 شهراً».

لا ينظر دنيس روس بإعجاب إلى تجربة الأمم المتحدة في لبنان، حيث أخفق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 لعام 2006 في تحقيق الغاية المتوخاة منه، وهو «منع إعادة تسليح (حزب الله)» و«منع أي وجود لـ(حزب الله) في الجنوب»، حيث منطقة عمليات القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل).

وهو يدعو عملياً إلى الإفادة من «تجربة الأمم المتحدة في كمبوديا بعد الخمير الحمر» عندما أنشئت «إدارة انتقالية جادة تحت تفويض الأمم المتحدة، وأدارتها بقوات جادة ذات صدقية» بهدف «إعطاء الفلسطينيين فرصة في المستقبل». ويحذر من أنه إذا بقيت «حماس» في السلطة و«تمكنت من القتل واتخاذ القرار في غزة، فلن يكون هناك مستقبل للفلسطينيين في غزة».

ويستدرك أن «على إسرائيل أن تنسحب، لكنها لا تستطيع أن تنسحب وتترك فراغاً. لذلك؛ يجب أن يأتي طرف ما ويملأه»، واصفاً السلطة الفلسطينية بأنها «ليست ذات صدقية»، بالإضافة إلى أنها «لا تريد أن تأتي (إلى غزة) على ظهر الدبابات الإسرائيلية». ويكرر أن «إدارة مفوضة دولياً لفترة انتقالية» ستكون مخصصة «لمساعدة الفلسطينيين. لا لخدمة الأغراض الإسرائيلية».

مستقبل غزة

على رغم الصورة القاتمة اليوم، يريد دنيس روس أن «يكون هناك مستقبل مفعم بالأمل لغزة... وألا تُفصل عن الضفة الغربية»، مبدياً كل العجب عندما يسأله البعض: «هل هناك حل الدول الثلاث؟». لكنه يستعجل الجواب: «هناك حل الدولتين» استناداً إلى «عملية إعادة إعمار واسعة النطاق مع نزع السلاح» بشرط ألا يكون مجرد شعار، بعدما «نجحت إسرائيل في تدمير معظم البنية التحتية العسكرية التي كانت (حماس) تبنيها».

ويؤكد أنه «بسبب (حزب الله) وبسبب إيران، كانوا يصنعون طائراتهم من دون طيار. إنهم يصنعون قذائف الهاون الخاصة بهم، ويصنعون صواريخهم الخاصة»، محذراً من أن بقاء «حماس» يعني إعادة بناء هذه القدرات العسكرية، وبالتالي فإن «المانحين الذين يستثمرون بشكل كبير في غزة» لن يفعلوا ذلك «إذا علموا أن (حماس) ستفعل ذلك مرة أخرى».

وإذ يشدد أخيراً على أن «(حماس) ليست الفلسطينيين»، فهؤلاء «يريدون التعايش» مع الإسرائيليين، الذين ينبغي أن «يرسلوا تلك الإشارات أيضاً». ولعل هذا الرد الأبرز على من يسأل عما إذا كانت «حياة اليهود البيض» أهم أو أغلى في الغرب من حياة الفلسطينيين العرب. هذا واحدة من رسائل دنيس روس، المولود لأم يهودية، مذكراً بأن «غالبية الإسرائيليين يأتون من الشرق الأوسط. وهم يهود من العالم العربي» وبأن الرئيس بايدن والوزير بلينكن «يؤكدان على ضرورة بذل المزيد من الجهد لحماية حياة الفلسطينيين وتلبية حاجاتهم الإنسانية».

 

2024 عام الرجاء

الشرق الاوسط...ميغيل آنخيل موراتينوس

عندما وضع الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ مؤلفه الشهير «عالم الأمس»، كان هدفه أن ينقل إلينا إحباطه إزاء صعود النظام النازي في ألمانيا، وما كان ينذر به من آفاق مظلمة لمستقبل أوروبا بعد «السنوات الصاخبة» التي عاشتها القارة في عشرينات القرن الماضي عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، التي كان قد استشفّ فيها بداية مرحلة من السلام والرفاهية تعمّ البلدان الأوروبية. واليوم، ونحن على مشارف العام الجديد، يعيش العالم وضعاً مشابهاً لما كان الفيلسوف والكاتب النمساوي يعيشه في تلك الفترة. كل الأنباء سيئة جداً، فيما يتضاعف القلق على وقع أهوال الحرب التي نشهدها كل يوم، ليس فحسب عبر الصور التي تجرّد الضحايا من إنسانيتها، بل خاصة عن طريق الأوضاع التي يستحيل على أي إنسان صالح أن يتحملها. للأسف، أصبحت الحرب جزءاً لا يتجزأ من واقعنا اليومي الذي بات يألف قتل آلاف الأطفال والنساء والمسنين، ويستنهض ضمائرنا فيما تأسرنا مشاعر العجز عن وقف هذه العربدة المدمرة.

وإذا كانت الحرب قد أصبحت بمثابة خبزنا اليومي، فإن التحديات الكبرى التي تواجه البشرية تزيد من منسوب القلق الدائم الذي يحيط بحياتنا. كل القادة السياسيين، إلى جانب المجتمع الدولي بأسره، يعترفون بأن العالم يعيش حالة من المخاض الانتقالي.

خرجنا من «عالم الأمس» الذي تحدث عنه زفايغ، وها نحن ننتظر على قلق وترقب بزوغ «عالم الغد» الذي لم تظهر تباشيره بعد. ولعلّ هذا هو السبب الذي يجعل حاضرنا حافلاً بالأزمات والتناقضات، ويزيد من خطورة المرحلة الراهنة التي تشهد تصارع القوى والمصالح المتضاربة من أجل فرض الهيمنة وتصدّر مواقع السيطرة في مستقبل الحوكمة الدولية.

لا شك في أن المؤسسات والمنظمات التي نشأت في فيلادلفيا، وسان فرنسيسكو، ودومبارتون أوكس وبريتون وودز، سائرة إلى نهايتها، وأن العالم في القرن الحادي والعشرين بات بحاجة إلى نظام جديد متعدد الأطراف يعكس الطموحات، والضرورات والأهداف الجديدة لعالم معقد ومتعدد المحاور.

لكن المشكلة تكمن في أنه على الرغم من إدراك الغالبية الساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لهذه الضرورة، فإن الأقلية التي تحكم العالم، أي الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، ترفض التخلي عن موقعها والسماح بعملية إصلاحية للحوكمة الدولية وفقاً للمعايير الجديدة في القرن الحادي والعشرين.

يضاف إلى ذلك أن اللاعبين الدوليين اليوم قد تغيّروا، وليسوا مقصورين على الدول أو الحكومات، التي أصبح بجانبها لاعبون آخرون نافذون، لهم أيضاً مطالبهم ومجالات نشاطاتهم، مثل القطاع الخاص والمجتمع المدني ووسائل الإعلام. لكن الأجندة تغيّرت هي أيضاً، وما عاد السلم والأمن يتوقفان على النزاعات والأزمات التي تدور حول الأرض كما يحصل حالياً في أوكرانيا وفلسطين، بل أيضاً على التحديات التي تؤثر على مستقبل البشرية، مثل تغيّر المناخ، والجوائح، والهجرة، والإرهاب، والفقر والجوع وغيرها.

من أسف، لم نعرف أو لم نرغب في إيجاد الحلول لأزمات الماضي. والمثال البديهي على ذلك الأزمة الراهنة بين إسرائيل وفلسطين. وفي الوقت نفسه علينا أن نهتم بمستقبل العالم ومعالجة المشاكل الوجودية التي تواجه البشرية. وبالإضافة إلى تغيّر اللاعبين والأجندة، أصبحت التكنولوجيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي، تفرض علينا تعديل طرائق عملنا وتكييفها لنتمكن من مواصلة تطوير حياتنا.

لذلك سندخل مرحلة انتقالية مع هذا العام الجديد الذي هو آخر سنوات الربع الأول من القرن، وبنا توق إلى أن يكون عالم رجاء يشهد بداية الإصلاحات الضرورية التي تمهّد لمرحلة جديدة نحو السلام. في القرن الماضي احتاج العالم لنصف قرن تقريباً، ولحربين عالميتين، كي يرسي أسس السلم والعدل. كم من السنوات علينا أن ننتظر لنبدأ مرحلة جديدة من السلم والأخوّة بيننا؟ هل علينا أن ننتظر نشوب حرب عالمية ثالثة؟

وقف الحروب يجب أن يكون في طليعة أولوياتنا، وأن يصبح السلام العنوان الرئيسي لهذه المرحلة. في العقود الأخيرة الماضية اقتصر مفهوم السلام على هاجس وحيد هو الأمن. وهذا ما يتبدّى بوضوح في النزاع الدائر حول أوكرانيا، حيث الأسباب والمبررات عند الطرفين تختصرها التهديدات في المجال الأمني.

والشيء نفسه ينطبق على أجندة إسرائيل الأمنية في مواجهة الحل السياسي الذي يطالب به الفلسطينيون. من واجبنا هنا أن نكون واضحين في القول بأن الأمن لن يتحقق من غير سلام، والسلام لن يأتي أبداً عن طريق «الأمن المفرط». لا بد من الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وحل الدولتين يقتضي الاعتراف الدولي بدولة فلسطين.

أهداف التنمية المستدامة التي توافقت الأسرة الدولية على تحقيقها بحلول عام 2030 يجب أن تبقى أيضاً في صلب اهتماماتنا خلال العام المقبل، وهي لن تتحقق من غير الإصلاحات الضرورية في البنيان الاقتصادي والمالي الذي نشأ في بريتون وودز. لا بد من إصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإلا فإن الدول الصاعدة قد تلجأ إلى إنشاء مؤسسات مماثلة لكسر الاحتكار الغربي في هذا المضمار.

القرن الحادي والعشرون يكون متعدد الثقافات أو لن يكون

إلى جانب كل ذلك، نعيش ما يمكن تسميته «عودة الحضارات». وفي عالم متعدد الأقطاب، يجب أن نعترف، ونقبل، بتعدد الحضارات، والثقافات والديانات. لا توجد «حضارة» تتفوق على غيرها. كل الحضارات تستحق الاحترام والاعتراف بإسهاماتها التاريخية، وباستعدادها للتفاعل مع بعضها بعضاً. القرن الحادي والعشرون يكون متعدد الثقافات أو لن يكون. وفي أواخر العام المقبل سينظّم تحالف الحضارات في مدينة لشبونة المنتدى العالمي العاشر ليطلق منه نداءً إلى التعايش والأخوة بين جميع البشر.

مهمتان رئيسيتان تنتظران العالم في العام المقبل. مواصلة العمل وتفعيل القرارات والاستنتاجات التي أسفرت عنها قمة المناخ في دبي، وتضافر كل الجهود الممكنة لإنقاذ البشرية من ويلات الحروب. والموعد الذي حدده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لعقد «قمة المستقبل» مطالع الخريف المقبل، سيكون فرصة لنتبيّن إذا كان العالم منكباً على هاتين المهمتين بالإرادة السياسية الكافية.

ملف روسيا..الكرملين يعترف بأزمة ديموغرافية «كارثية» ويدعو لزيادة المواليد..

 الجمعة 26 تموز 2024 - 6:39 م

الكرملين يعترف بأزمة ديموغرافية «كارثية» ويدعو لزيادة المواليد.. موسكو: «الشرق الأوسط».. لفت الكر… تتمة »

عدد الزيارات: 165,287,518

عدد الزوار: 7,418,060

المتواجدون الآن: 86