سورية: الحكم فوق أنقاض حلب......

تاريخ الإضافة الثلاثاء 10 أيار 2022 - 5:34 م    عدد الزيارات 1345    التعليقات 0

        

سورية: الحكم فوق أنقاض حلب......

لقد دُمرت حلب بالقصف البري والجوي خلال الحرب السورية. وما تزال غير آمنة، حيث يخضع السكان للتدقيق الأمني والابتزاز من قبل قوات أمن النظام والميليشيات المختلفة. ينبغي على دمشق وداعميها الخارجيين كبح جماح هذا السلوك الافتراسي كخطوة أولى حاسمة لتعافي المدينة.

ما الجديد؟ بعد نحو ست سنوات من استعادة حلب، بات نظام الأسد مرة أخرى مسيطراً إلى حد بعيد، إلا أن المدينة أضحت مجرد ظل لما كانت عليه في الماضي. إذ ما تزال عدة أحياء مدمرة جراء قصف الجيش السوري والغارات الجوية الروسية. وتتجول الميليشيات في الشوارع، ويزدهر اقتصاد غير منظم، وبالكاد هناك شيء آخر.

ما أهمية ذلك؟ كانت حلب أكبر المدن السورية قبل عام 2011، وكانت مركز الإنتاج والتجارة والخدمات في الشمال. وبالتالي فإن إعادة إحيائها محورية لرخاء واستقرار المنطقة على المدى البعيد. إذا لم يكن من الممكن إعادة تأهيل مدينة بهذه الأهمية، فإن مستقبل مدن أخرى دمرتها الحرب أكثر قتامة بالتأكيد.

ما الذي ينبغي فعله؟ يمكن لدمشق، بالإضافة إلى روسيا وإيران، أن تساعد سكان حلب وطبقة رواد الأعمال التي كانت حيوية ونشطة في الماضي من خلال كبح جماح الميليشيات، وضبط الأجهزة الأمنية وعملاء النظام، ووضع حد لاضطهاد الأشخاص المتهمين بالصلات مع المعارضة. ما تزال إعادة الإعمار واسعة النطاق غير مطروحة، لكن مشاريع "التعافي" الصغيرة الممولة دولياً يمكن أن تخفف معاناة الناس.

الملخص التنفيذي

توفر حلب نظرة للواقع القاتم لسورية ما بعد الحرب. فقد كانت أكبر مدن البلاد ومحركها الاقتصادي قبل أن يحول قصف المدفعية السورية والغارات الجوية الروسية أحياء كاملة فيها إلى ركام، ويتسبب في تهجير معظم سكانها. لم يعد كثيرون إلى المدينة ولم تتعافَ الشركات والأعمال الأخرى، في الوقت الذي توسع فيه الميليشيات المرتبطة بالحكومة حضورها، وتنهب المنازل، وتطلب الرشى وتنخرط في أشكال أخرى من نهب أولئك الذين ظلوا في المدينة. ولا يفعل نظام الرئيس بشار الأسد وحلفاؤه شيئاً يذكر لإنهاض المدينة على قدميها مرة أخرى. يشعر قادة قطاع الأعمال بالاستياء من الحكم العشوائي للأجهزة الأمنية وعملاء النظام الذين ينشطون في ظلها؛ ويغادر كثيرون مع استمرار مناخ اقتصادي غير صحي. ورغم أن روسيا وإيران لم تظهرا رغبة تذكر حتى الآن في استخدام نفوذهما لمنع الميليشيات غير المنضبطة من ابتزاز السكان وسرقة الممتلكات، فإن لهما مصلحة في فعل ذلك. إذ من شأن تلك الخطوات أن تساعد في إعادة إحياء المدينة.

وصل القتال إلى حلب في منتصف عام 2012، منتشراً من الريف المحيط بها وقَسَم المدينة إلى منطقتين تخضع إحداهما لسيطرة النظام والأخرى لسيطرة المعارضة المسلحة. المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة تكونت بشكل رئيسي من مناطق السكن العشوائي التي يسكنها العمال القادمون من داخل البلاد، في حين أن حلب التي سيطر عليها النظام، والتي تكونت بشكل رئيسي من مركز المدينة وجزئها الغربي، شملت الأحياء الأكثر ثراء. وبينما تعرض القسم الأخير من المدينة للأضرار، وتردت جودة الخدمات العامة والوصول إلى السلع الأساسية فيه، فإن حملة القصف غير التمييزي التي شنها النظام وحليفه الروسي دمرت أجزاء كاملة من شرق المدينة وهجّرت سكانه.

بدعم من قوة النيران الجوية الروسية والمشورة والدعم البري الإيرانيين، تمكن النظام من إخراج المعارضة المسلحة من حلب في أواخر عام 2016 واستعاد المدينة بأكملها. إلا أن هزيمة المعارضة المسلحة لم تعنِ العودة إلى الاستقرار، ناهيك عن تحقيق الرخاء، لسكان حلب. فما تزال مناطق كبيرة من المدينة مدمرة، وما من دليل يذكر على رؤية منسقة للدولة أو جهد من قبلها لإعادة بنائها، باستثناء إجراء تقدير لعدد المباني المدمرة.

ما يزال الوضع الأمني هشاً؛ وتفرض قوات النظام سيطرة رئيسية لكن ليست حصرية على المدينة، بالنظر إلى أن الميلشيات، ورغم تحالفها الاسمي مع النظام، تنخرط في صدامات متفرقة مع جنود النظام ومع بعضها بعضاً وتضايق السكان. المعارضة المسلحة مبعدة، وليس لطرف فاعل أجنبي مصلحة في تجديد التدخل لتحدي النظام، والسكان استنزفتهم وأفقرتهم سنوات الحرب، وهم منشغلون بتلبية احتياجاتهم الأساسية بشكل لا يمكّنهم من الخروج في انتفاضة أخرى. علاوة على ذلك، فإن معظم سكان المدينة الذين هُجِّروا إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة أو إلى الخارج لم يتمكنوا من العودة، بشكل رئيسي لأنهم يخشون التجنيد الإجباري أو الانتقام بسبب مشاركتهم المحتملة في الثورة.

اقتصادياً واجتماعياً، لا تشبه حلب الآن ما كانت عليه قبل الحرب. وتنشط الميليشيات المتحالفة مع النظام وبدعم من إيران وروسيا علناً في جميع أحياء المدينة، فتنهب الممتلكات وتضايق السكان كما تشاء. كما أن القوى الأمنية تفرض ضرائب كبيرة على الأنشطة الاقتصادية الرئيسية في المدينة، وتتاجر بالمنتجات المتدفقة من الخارج وتحتكر عمل المولدات المربح في تكملة الكميات الشحيحة من الكهرباء التي توفرها الدولة. هذه الظروف تجعل صناعيي حلب، الذين نقل كثيرون منهم عملياتهم إلى الدول المجاورة في السنوات الأولى للحرب، يترددون في المخاطرة بالعودة إلى الاستثمار في مدينتهم الأصلية. كما أن عدداً كبيراً من العمال المهرة الذين كانوا يعملون لديهم في الماضي غادروا أيضاً، ويجعل التهديد الدائم بالتجنيد الإجباري الذي يواجهه جميع الشباب الذكور من توفر العمالة أمراً غير مؤكد. هذا الوضع يجعل حتى احتمالات العودة الجزئية إلى الحيوية الاقتصادية التي كانت تتمتع بها المدينة قبل الحرب ضئيلة.

يفتقر النظام السوري إلى امتلاك خطة شاملة، ناهيك عن امتلاكه القدرة على إعادة إعمار المدينة؛ وما من شيء يشير إلى احتمال تقديم مساعدات دولية لهذا الغرض. ولم تعبر داعمتا النظام، روسيا وإيران، عن عزمهما إنفاق مبالغ كبيرة من المال على إعادة الإعمار. وتبقى الجهات الفاعلة الغربية ملتزمة بعملية انتقال سياسي على مستوى البلاد، اعتقاداً منها أنه دون هذه العملية فإن الاستثمارات الكبيرة ستفضي فقط إلى تعزيز الحكم القمعي للنظام وبذلك تفاقم الصراع. لقد أشارت بعض دول الخليج العربية، خصوصاً الإمارات العربية المتحدة، إلى أنها قد تكون مستعدة لدعم إعادة الإعمار، ربما على أمل إخراج سورية من الفضاء الإيراني ووقف التجاوزات التركية في الشمال، لكنها قلقة من مخالفة العقوبات الثانوية الأمريكية المفروضة على التعاون مع النظام. لقد وسعت المنظمات الدولية عملها الإنساني لكنها تصارع للعمل في متاهة القيود غير المتناسقة في كثير من الأحيان المفروضة على تفويضها. كما أنها تواجه تشككاً في أوساط المستفيدين الذين يشكون في كثير من الأحيان بنواياها تحديداً لأن النظام وافق على وجودها.

ليس هناك آفاق محتملة لعودة حلب – أو أي مدينة سورية أخرى تضررت بشكل كبير خلال الحرب - إلى مستويات الرخاء أو الرفاه الإنساني التي عرفتها قبل عام 2011. في الواقع، فإن تجربة هذه المدينة وأجزاء أخرى من سورية تشير إلى أنه بدلاً من ضبط وتقييد الميليشيات والأجهزة الأمنية التي تستغل المواطنين العاديين وقطاع الأعمال، فإن النظام تحرك لتعزيز قوة هذه العناصر من أجل السيطرة على المجتمع من خلال موزاييك من الاقطاعات. ويكمن في جوهر هذا الشكل من الحكم تحولاً من الافتراس العشوائي البحت للسكان المحليين خلال الحرب إلى نهب ما بعد الحرب الذي يترافق أحياناً بشكليات الإجراءات القانونية دون أن يخضع للمساءلة، بل إنه يمنع حدوث حتى شكل متواضع من التعافي.

رغم ذلك، ما يزال من الممكن جعل المدينة أكثر قدرة على احتضان طبقات ريادة الأعمال فيها وأكثر قابلية للحياة بالنسبة لسكانها. ففي حين أن مساعدات إعادة الإعمار على نطاق واسع تبقى غير مطروحة، فإن مشاريع صغيرة ممولة دولياً، مثل إعادة إحياء المخابز، على سبيل المثال، أو استعادة المنشآت الصحية وأنظمة الصرف الصحي – يمكن أن تساعد في تخفيف حدة المعاناة، رغم أنها لا توفر أملاً بحد ذاتها بتحقيق تغير بنيوي.

ثمة خطوة يمكن أن تحدث أثراً أكبر تتمثل في قيام النظام السوري، وروسيا وإيران بكبح جماح السلوك الافتراسي للميليشيات والأجهزة الأمنية، وأيضاً عملاء النظام الذين يعملون في ظل حاملي الأسلحة، أو بالتواطؤ معهم. لقد اتخذت دمشق سابقاً مثل تلك الخطوة حيال المهربين وأجهزتها الأمنية عندما تجاوزوا حدودهم، في حين أن روسيا وإيران يمكن أن تكبح جماح الميليشيات والأجهزة الأمنية الخاضعة لسيطرتها. في الوقت الحاضر، ودون وجود سيطرة كاملة على الحدود أو الأراضي السورية، فإن النظام يفتقر لمكونات رئيسية من مكونات الدولة، ما يحتم على روسيا وإيران أن تدعماه بشكل دوري لتبقيه واقفاً. يمكن للمساعدة في الحد من الفوضى في حلب أن تخفف من هذا الصداع لموسكو وطهران في منطقة واحدة مهمة على الأقل. قد لا تكون دمشق وحلفاؤها الخارجيين قادرين على وقف عملية الافتراس بشكل كامل، لكنهم إذا تمكنوا من التخفيف من حدته، فإنهم يمكن أن يساعدوا المدينة على اتخاذ الخطوة الحاسمة الأولى نحو التعافي.

حلب/بيروت/بروكسل، 9 أيار/مايو 2022

رابط التقرير كاملا باللغة الانكليزية...

https://d2071andvip0wj.cloudfront.net/234-syria-aleppos-ruins_0.pdf

 

 

 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,103,195

عدد الزوار: 6,752,869

المتواجدون الآن: 104