العام 2022: الحلقة الثانية...

تاريخ الإضافة الأحد 16 كانون الثاني 2022 - 5:46 ص    عدد الزيارات 1229    التعليقات 0

        

العام 2022: الحلقة الثانية...

قاعدة «حميميم» في عقيدة بوتين العسكرية...

الشرق الاوسط... أنطون مارداسوف - خبير روسي غير مقيم في مجلس الشؤون الدولية الروسي..

بعد ضم شبه جزيرة القرم، والحملة العسكرية في سوريا، وتوسيع شبكة «فاغنر» في أفريقيا، جرى تكوين رأي حول ضعف القدرة على التنبؤ بالسياسة الخارجية الروسية. وبات يُنظر إلى مغامرات الكرملين في صراعات الموازنة المنخفضة نسبياً على أنها مورد لا غنى عنه لإضفاء الشرعية على سلطة فلاديمير بوتين. لكن منطق وسائل الإعلام هذا، حيث تستخدم مصطلحات «عقيدة جيراسيموف» أو «الحروب المختلطة» على نطاق واسع، خاطئ شأن المصطلحات نفسها. فهذه العقيدة لا وجود لها، وكل الحروب في تاريخ العالم كانت دائماً مختلطة وعلى الرغم من ذلك، فإن خط الكرملين قد تغير بالفعل، ولا سيما منهجه تجاه الاحتواء الاستراتيجي السياسي والعسكري. من ناحية، كان هذا بسبب تحول النظرة العالمية للرئيس بوتين نفسه، الذي بدأ ينظر إلى نفسه عقب نشوة القرم كشخصية تاريخية قادرة على تنفيذ مهام جيوسياسية ناجحة. ومن ناحية أخرى، تأثر ذلك بالإجراءات العسكرية والسياسية لمكافحة الأزمة التي اتخذتها موسكو لاحتواء عواقب نشاطها في شبه جزيرة القرم ودونباس. في نهاية عام 2014، جرى إدخال مصطلح «الردع غير النووي» الغامض، وبالتالي الملائم في العقيدة العسكرية الرسمية الروسية المحدثة. وعلى الرغم من أن العسكريين والدبلوماسيين الروس يفسرونها الآن لصالحهم، فإن هذا كان بمثابة تغيير مهم في الوثيقة المفاهيمية. وللمرة الأولى، أعلنت القيادة العسكرية الروسية أنها ستسعى إلى حرمان العدو من ميزة من خلال عدم الاعتماد على الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية. العنصر الأساسي للردع التقليدي هو الأسلحة عالية الدقة، بما في ذلك مجموعة واسعة من الصواريخ، والتي صقلها الجيش بعد ذلك بناءً على التجربة في سوريا. لكن ليس هذا فقط. ففي عام 2019، أوضحت وزارة الدفاع الروسية للمرة الأولى أنها تفضل استراتيجية دفاعية نشطة تتضمن أيضاً أساليب غير عسكرية للفوز بالمبادرة الاستراتيجية. وتم الاعتراف رسمياً بأن «العملية الإنسانية» هي شكل جديد من أشكال الاستخدام العسكري التي تجمع بين الإجراءات لسحب المدنيين في الوقت نفسه من منطقة القتال وقمع المقاومة. وعلى الرغم من عدم تحدث أحد رسمياً عن الشركات العسكرية الخاصة، فقد كان واضحاً لجميع الخبراء أن المرتزقة هم أيضاً عنصر مهم في فهم موسكو لأساليب الحرب غير المتكافئة. من الواضح أن الكرملين، ومن دون أي وثائق تنظيمية، كان من الممكن أن يتدخل في الحرب الأهلية في سوريا ويشترك في أعمال شغب بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، ساعياً إلى نوع من الضمانات من حلف شمال الأطلسي (الناتو). الأهم من أي شيء، لم تمنع النسخة السابقة من العقيدة العسكرية، موسكو من ضم شبه جزيرة القرم، لكن العقيدة العسكرية وعدد من الوثائق الأخرى هي نتيجة الإدراك الذاتي للنخبة الحاكمة للمصالح الوطنية القائمة بشكل موضوعي. نصّت العقيدة بوضوح على أن الهدف في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي هو الحوار على قدم المساواة. وهذا بالضبط ما سعى إليه الكرملين بالتدخل في حربي سوريا وليبيا للتغلب على عزلة العقوبات. وهذا ما يفعله الآن بالقرب من حدود بولندا وأوكرانيا وبإصرار مجنون لفرض رؤيته لهيكلية أمنية أوروبية على «الناتو». فالنجاحات السابقة في الجمع بين الحربين في سوريا ودونباس تلهم موسكو لاتخاذ خطوات جديدة لإصدار الإنذارات ليس فقط لخصومها التقليديين، بل أيضاً لشركائها مثل بيلاروسيا وكازاخستان. هل هناك علاقة للكرملين بين الملفين السوري والأوكراني؟ هناك آراء بأن الطيران الروسي يزيد من حدة الضربات على إدلب، اعتماداً على درجة تورط تركيا في الملف الأوكراني. وثمة سابقة لتوحيد مسارح عدة للعمليات العسكرية إبان حرب قره باغ عندما قصف الجانب الروسي بمصادفة غريبة مجموعات معارضة في سوريا ضالعة في الصراع في جنوب القوقاز. وعلى الرغم من ذلك، هناك حجج ضد هذا الطرح. فالقيادة الروسية في سوريا تعمل وفقاً لمنطقها الخاص، ولا يحتاج الكرملين إلى التوصل إلى مجموعات وإرسال إشارات لا لبس فيها إلى أنقرة، التي زوّدت كييف بالفعل بطائرات من دون طيار. شيء آخر هو أنه فيما يخص التخطيط العسكري، فإن القرم وسوريا مرتبطان لوجيستياً، لكن الشيء الرئيسي هو أن القواعد الروسية في طرطوس وحميميم هي عنصر أساسي في الدفاع عن شبه الجزيرة والحدود الغربية للبلاد. ويقلل الاستخدام النشط لهذه المرافق من منطقة تمركز الأسطول السادس للولايات المتحدة لضربة افتراضية من شرق البحر الأبيض المتوسط. بالنظر إلى فهم موسكو لمهام الدفاع النشط، فإن الكرملين يعمل بشكل منهجي على إنشاء مركز متقدم في حميميم لنقل الأفراد العسكريين والمرتزقة إلى أفريقيا وفنزويلا، وتثبيت قاذفات قنابل نووية من طراز «Tu - 22M3» ومقاتلات «MiG - 31K» بدقة عالية وصواريخ بعيدة المدى. فتح إنهاء معاهدة القوات النووية متوسطة المدى الباب لروسيا لنشر أنظمة أرضية عالية الدقة في سوريا بسرعة إلى حد ما إذا تم تكييف صواريخ كروز طويلة المدى المضادة للسفن مع الأنظمة الأرضية. ويواصل الجيش الروسي أيضاً تحويل منشأة طرطوس إلى قاعدة كاملة. وبقدر ما هو معروف، وفي أوقات مختلفة، قامت وزارة الدفاع بنشر «حيوانات قتالية » في مياه طرطوس لإجراء تدريبات لمكافحة التخريب. في السابق، وبسبب التكلفة العالية، كانت الولايات المتحدة هي الوحيدة التي كانت قادرة على إحضار الدلافين القتالية إلى البحر الأسود لإجراء التدريبات. وبالتالي، فإن التوسع المتعمد للتأثير الروسي مقترناً بأساليب الحرب غير التقليدية تم تحديده في الوثيقة المفاهيمية، والتي تستبعد بحد ذاتها التدخل الفوضوي لتحقيق ميزة تكتيكية. ومع ذلك، لا ينبغي للمرء أن يبالغ في تقدير البصيرة الاستراتيجية للكرملين وأفق التخطيط العسكري الروسي. على سبيل المثال، أصبحت موسكو نفسها رهينة للأنشطة الموسعة لمجموعة «فاغنر »؛ لأنها غير قادرة على السعي للحصول على ضمانات دون تدخل القوة «الدبلوماسية الموازية». في الواقع، فإن توقف بناء القاعدة في السودان وعدم اليقين بشأن مستقبلها يرجع إلى حقيقة أن المفاوضات حول المنشأة العسكرية الرسمية كان يقودها في البداية أشخاص مرتبطون بـ«مجموعة فاغنر». بالإضافة إلى ذلك، تحتاج الخرطوم إلى الاستثمار، وليس العسكرة المثيرة للجدل؛ مما يعني خلق تهديدات إضافية للولايات المتحدة وحلفائها العرب. وضع مشابه يميز ليبيا، حيث إن التسوية السياسية تعادل فعلياً المرتزقة السودانيين والروس، الذين يتعين عليهم مغادرة البلاد. وعلى الأرجح، تود وزارة الدفاع أن يكون لديها منشآت هنا؛ إذ ستسمح لها، جنباً إلى جنب مع التواجد في حميميم، ببسط قوتها في منطقة قناة السويس. لكن لإضفاء الطابع المؤسسي على وجودها العسكري، ستحتاج موسكو على الأقل إلى الدخول في اتفاقيات رسمية أحادية الجانب مع السلطات في شرق ليبيا حتى يتمكن الجيش من العمل رسمياً مع مدربين مدنيين. بشكل عام، يحاول الكرملين الاستفادة القصوى من رأس الجسر الذي تم إنشاؤه في سوريا لتوسيع نطاق العمليات وإزعاج «الناتو ». لدى المرء انطباع بأن موسكو قد استسلمت بالفعل لحقيقة أنه بسبب إصرار النظام السوري، فإنه لا يمكنه تقليد الإصلاحات السياسية وجذب المستثمرين لإعادة إعمار سوريا؛ لذلك يعتقد الكرملين أن فوائد الوجود العسكري لا تزال قائمة وتتخطى كل الخسائر التي تلحق بالسمعة.

 

الأمن الجماعي غير مضمون

الشرق الاوسط... جيمس جيفري - المبعوث الأميركي السابق لسوريا والتحالف الدولي ضد «داعش»....

عام 2022 لا نقف أمام نظام عالمي جديد، وإنما على العكس نواجه العودة إلى عالم 1941 - 1991. خلال تلك الفترة، قادت الولايات المتحدة نظاماً عالمياً للأمن الجماعي تمثّل هدفه الأساسي (بخلاف الكثير من الأهداف النقدية والتجارية وحقوق الإنسان وأهداف أخرى) في إلحاق الهزيمة بجهود كل من ألمانيا واليابان أولاً، ثم الاتحاد السوفياتي والصين، من أجل بسط الهيمنة على أهم مناطق العالم: أورآسيا. وبالفعل، فاز التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مرتين، عامي 1945 و1991. لكن تبقى هناك علامات استفهام حول ما إذا كان بإمكان هذا التحالف إنجاز ذلك للمرة الثالثة، نظراً إلى حالة التفكك التي أصابت «اللحظة أحادية القطب» الأميركية-الغربية خلال الفترة 1991 - 2021. التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة وشركاؤها العالميون الآن يستدعي نفس مستوى الوحدة الذي شهدناه في الفترة من 1941 إلى 1991. ويبقى التساؤل العالمي الرئيسي اليوم ما إذا كانت هذه الوحدة قادرة على التسيد عالمياً. يحمل التحدي الحالي بعضاً من جوانب النظام الذي كان قائماً خلال الفترة 1941 - 1945 (لم تتبنّ روسيا والصين آيديولوجية تبشيرية عالمية تتجاوز السعي العرقي للهيمنة الذي شاهدناه مع ألمانيا النازية وإمبراطورية اليابان)، وفي فترة 1946 - 1991 (الدول نفسها، روسيا والصين). ومع ذلك، تحظى الصين اليوم بقوة اقتصادية مكافئة للولايات المتحدة، والتي لم يسبق لدولة معادية واحدة امتلاكها خلال الفترة 1941 - 1991. من ناحيتها، أوضحت الولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن عشرات المرات، بما في ذلك من خلال «إرشادات استراتيجية الأمن الوطني المؤقتة»، أنها ستستخدم في مواجهة تهديدات اليوم استراتيجيات الردع والاحتواء للأمن الجماعي والتي حققت نجاحاً كبيراً في مواجهة الشيوعية. وعلى الرغم من إثبات مثل هذه الاستراتيجيات نجاحها سابقاً (مع الحلفاء والشركاء) -تحظى الولايات المتحدة بضِعف الناتج المحلي الإجمالي لروسيا والصين– فإن نجاح استراتيجية احتواء جديدة ليس أمراً مضموناً سلفاً. إذ يمكن لعنصر الردع الذي يسهم في تحقيق الاستقرار، ومبدأ الدمار المتبادل المحقق من خلال الأسلحة النووية (والآن السيبرانية)، أن ينقلبا، عن طريق الصدفة أو نتيجة ضعف القيادة أو الخوف المتبادل، رأساً على عقب، مما يسرع وتيرة حدوث مواجهة قد تكون قاتلة. إلا أنه تبقى هناك عوامل أخرى تدفع نحو توخي مزيد من الحذر، إن لم يكن التشاؤم. أحدها يتعلق بالقوة الاقتصادية الصينية المذكورة سلفاً، وإن كان من غير المحتمل أن تستمر في النمو بالمعدل نفسه. ومع ذلك، فإن المشكلات الداخلية التي تكابدها الولايات المتحدة، وكذلك حلفاؤنا وشركاؤنا، ونهجنا العام إزاء الشؤون الخارجية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، يشكل عاملاً مثيراً للقلق هي الأخرى. جدير بالذكر هنا أن الولايات المتحدة تشكل مجتمعاً منقسماً آيديولوجياً، مع سعي كل من الحزبين الرئيسيين وراء تنفيذ أجندات خطيرة، حيث يلجأ كل منهما إما إلى إنكار نتائج الانتخابات عندما يخسر، وإما إلى انتهاج برنامج ثقافي عدواني شبه ثوري يثير الفزع في قلوب نصف الأميركيين ويمقته الكثيرون في النصف الآخر. ومن أجل ضمان قيادة فاعلة في الأوقات الخطرة، يجب أن ينحّي الأميركيون خلافاتهم جانباً، ويتّحدون خلف رئيسهم. وقد سبق أن حدث ذلك من قبل، لكن لم يكن المجتمع حينها يعاني من انقسامات عميقة بالدرجة الموجودة حالياً. وبالمثل، يواجه شركاء واشنطن وحلفاؤها الرئيسيون مشكلات خطيرة. على سبيل المثال، فقدت أوروبا الغربية واليابان الكثير من حيويتهما الاقتصادية وصحتهما الديموغرافية، على الرغم من أن اقتصاداتهما مجتمعة تفوق في حجمها الآن الاقتصاد الأميركي. ومع ذلك، لا يضخ أي منهما استثمارات كبيرة على نحو خاص تجاه الجانب العسكري، إضافةً إلى افتقارهما إلى روح المحارب (باستثناء بريطانيا وفرنسا). كما تعاني الهند، الشريك الرئيسي الأخير، من مشكلات اقتصادية وسياسية داخلية عميقة، ولا تُبدي تركيزاً استراتيجياً مدروساً بخلاف ما يخص باكستان. وأخيراً، أصبح الرأي العام السائد في أوساط النخبة بالولايات المتحدة وقطاع كبير من الرأي العام داخل الدول الحلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) داخل الحكومة وخارجها على مدار الأعوام الـ30 الماضية، مدمناً على فكرة الانتصار الأخير في «نهاية التاريخ»، الأمر الذي دفعهم مرة بعد أخرى نحو المشاركات الدبلوماسية بحدها الأقصى، كان آخرها في أفغانستان. وفي حين أن هذه التجربة يمكن أن تدفع نحو التحلي بمزيد من الواقعيــــــة، لا يــــــزال الغرب يُبدي ميلاً للضغط من أجل تحقيق أهداف دبلوماسية متطرفة شبه ثورية تقوم على فكرة أن «قيمنا عالمية»، الأمر الذي يتعارض مباشرة مع نهج «القبول بالأزمات المتجمدة والتسويات» الذي يتطلبه التنفيذ الناجح لسياسة الاحتواء على المدى الطويل. ومرة أخرى، يشكّل الاحتواء والتسوية السبيل الوحيد الذي يمكننا من خلاله الحفاظ على نظام عالمي مستقر وسلمي.

 

خطوات واجبة لإنقاذ أفغانستان

الشرق الاوسط.... بيتر ماورير ، رئيس «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» - مارتن غريفيث، وكيل أمين عام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ ....

أفغانستان في حالة سقوط حر. فمنذ سيطرة «طالبان» على السلطة في أفغانستان، انهار الاقتصاد وانسحق الناس في الانهيار. نضبت السيولة النقدية للمعاملات الأساسية، والعملة الأفغانية آخذة في التراجع، والتجارة تتهاوى بسبب انعدام الثقة بالقطاع المالي. ومن المتوقع أن يضيع 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في غضون عام، مصحوباً بفقر عالمي مدقع. العاملون في المجال الإنساني في سباق مع الزمن لمساعدة العائلات الأفغانية خلال فترة الشتاء القارس. وما يشهدونه ينذر بالخطر: فنحو 23 مليون شخص يواجهون الجوع، والمرافق الصحية تفيض بالأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، ونحو 70 في المائة من المعلّمين لا يتقاضون رواتبهم، في وقت بات فيه ملايين الأطفال - الذين يمثّلون مستقبل أفغانستان - خارج المدرسة. المساعدات الطارئة التي يتمّ تسليمها أمر حيوي، لكنها ليست بالكافية. ولن يكون من الممكن الحد من الموت في أفغانستان هذا الشتاء من دون دعم دولي صلب للحفاظ على الوظائف الاجتماعية التي لا غنى عنها في الدولة، ومن دون ضخ السيولة في الاقتصاد. يمكن تقديم الدعم على أسس إنسانية بحتة، ومن دون الإخلال بالأهداف الدولية الأخرى المتمثلة في الإبقاء على العقوبات المحدّدة الهدف وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب. ولا بد من التمييز بين «طالبان» والدولة الأفغانية، فهما ليستا الشيء نفسه. أفغانستان بلد تمّ دعمه تاريخياً بالمساعدات الخارجية. لكن المواقف السياسية ازدادت تشدداً ضد حكّام الأمر الواقع الجدد في كابل. فقد تم إغلاق قنوات الدعم السابقة، وهو ما أثّر على العاملين الرئيسيين في القطاع العام، كالأطباء والممرضات والمعلمين، الذين لم تُدفع رواتبهم منذ شهور. ولا تملك المرافق الصحية القدرة على دفع ثمن الوقود لتشغيل المولدات أو سيارات الإسعاف. إن تأمين الخدمات الأساسية آخذ في الانهيار، وأصبح الأشخاص الذين يعتمدون على هذه الخدمات ضحايا عن غير قصد.

تتفاقم الأزمة الحالية منذ عقود، وازدادت حدّة بسبب أسوأ موجة جفاف شهدها البلد خلال 20 عاماً. وفي عام 2022، سيعتمد ثلثا السكان على المساعدات الغذائية، ومن دون مستوى أعلى من الدعم الدولي سيتعرض مزيد من الأطفال لمستويات عالية من سوء التغذية. ومع عدم توفّر عيادات للرعاية الصحية، سيموت مزيد من النساء أثناء الولادة. وهذا الشتاء، ستواجه العائلات صقيعاً حاداً من دون توفّر كهرباء أو مياه نظيفة. في النهاية، قد يفقد الأفغان كل أمل ويتركون البلد، ما يؤدي إلى موجات هجرة لا يمكن السيطرة عليها ولا يريدها أحد باستثناء المتاجرين بالبشر. ولتغيير هذا الاحتمال القاتم، لا بد من التحرّك بشكل طارئ.

أولاً، على المانحين الاستمرار في العطاء بسخاء للاستجابة الإنسانية المنقذة للحياة، كما فعلوا منذ أغسطس (آب). وهذا العام، تعد الخطة الإنسانية لأفغانستان أكبر نداء قطري على الإطلاق، وتصل قيمته إلى 4.44 مليار دولار أميركي. وتهدف وكالات الأمم المتحدة والشركاء في المجال الإنساني إلى تأمين الغذاء والماء والرعاية الصحية والحماية والمأوى والتعليم وأشكال أخرى من الدعم الحيوي إلى 22 مليون شخص. وتعتمد هذه الخطة على دعم المانحين. إننا نرحّب بقرار الصندوق الائتماني لإعادة إعمار أفغانستان التابع للبنك الدولي بتحويل 280 مليون دولار إلى «اليونيسيف» وبرنامج الغذاء العالمي. ويجب أن تتبع هذه الخطوة إعادة برمجة الصندوق بالكامل لدعم الشعب الأفغاني هذا الشتاء. كما نرحب بتبني مجلس الأمن استثناءً إنسانياً في نظام عقوبات الأمم المتحدة على أفغانستان. ومن شأن هذا أن يعطي ضمانات قانونية للمؤسسات المالية والجهات التجارية الفاعلة بأنها لا تنتهك العقوبات عندما تتعامل مع العاملين في المجال الإنساني.

ثانياً، يجب أن يكون هناك قدر أكبر من المرونة في وجهات استخدام تمويل المانحين، بما في ذلك رواتب العاملين في القطاع العام، ودعم الهيكليات التي تقدم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، والمساعدة لدعم سبل عيش المواطنين. وسيوفر هذا حافزاً للأشخاص للبقاء في أفغانستان وتخيل مستقبل لعائلاتهم في بلدهم. من المهم أن نكون واضحين بأنّ دعم هذه الهيكليات لا يعني تمويل كوادر «طالبان». فالإدارة العامة في أفغانستان يديرها موظّفو القطاع العام، وكانوا جميعهم تقريباً في تلك الوظائف قبل سيطرة «طالبان» على السلطة. والهيكليات القائمة ضرورية ولا يمكن استمرارها بشكل فعّال أو استبدال برامج إنسانية بها. فالإغاثة هي إجراء ضروري لسد الفجوة لإنقاذ الأرواح من حين لآخر، لكن الأزمة في أفغانستان تتجاوز بالفعل الأبعاد الإنسانية.

ثالثاً، تحتاج المشاركة الدولية إلى إقامة حوار مدروس بعناية مع سلطات الأمر الواقع الأفغانية. ويمكن أن يشمل ذلك تخفيض بعض العقوبات الاقتصادية أو التخفيف منها، أو إعادة إدخال تدريجية للمساعدة الإنمائية طويلة الأجل، استجابة للتقدّم المحرز في القضايا ذات الاهتمام الدولي مثل حقوق النساء والفتيات. إنّ الانخراط الدولي الحالي في أفغانستان لا يفي بالغرض. إذ ينتظر العالم أن تحرز «طالبان» تقدّماً في سلسلة من المعايير الدولية دون تحديد واضح لما هو متوقّع. ومن ناحية أخرى، فإن «طالبان» إما غير راغبة في تلبية هذه التوقّعات أو أنّ أهداف التوقّعات غير واضحة لها. ويعد «نهج العمل كالمعتاد» وصفة افتراضية للفشل الدولي. وبدلاً من ذلك، تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية أن يكون أكثر حسماً وتطلّباً وانخراطاً مما هو عليه حالياً في عملية دبلوماسية حذرة. اللحظة التي نمر بها هي لحظة حاسمة استثنائية لشعب أفغانستان. ولدينا امتياز التحذير المسبق من المصير الذي ينتظر هذا الشعب إن لم نتحرك. وتقع علينا مسؤولية بسبب التحذير المسبق، علماً بأننا إن لم نتصرف بشكل عاجل وبإرادة جماعية، فسيكون الثمن عسيراً. لا يمكننا أن نفشل في القيام بما نعلم أنه صواب، وما ندرك أنه ممكن.

 

«كورونا» كشف الخلل العميق في النظام العالمي

الشرق الاوسط... غوردون براون - رئيس وزراء بريطانيا الأسبق

مراراً وتكراراً على مر التاريخ، برأ مرتكبو الظلم أنفسهم وبرروا الشرور والتقاعس بإلقاء اللوم على الضحايا. وفي خضم مزاعم تحميل الأفارقة المسؤولية عن تفشي متغير «أوميكرون»، والشكاوى الواردة من شمال العالم بشأن التردد في استخدام اللقاحات وانخفاض مستوى تناول اللقاح في جنوب العالم، شهد عام 2021 رواية هذه القصة المخزية من جديد. لكن «أوميكرون» ليس خطأً أفريقياً؛ إذ تبدأ المسؤولية من طرف حكومات الدول الغنية التي كدست مئات الملايين من اللقاحات والتي، حتى مع تحذيرها من الفشل في تطعيم الأجزاء الأكثر عرضة للخطر من العالم، لم تفعل إلا أقل القليل مع تحورات الفيروس. إن المشكلة الحاسمة ليست في الحذر الأفريقي من اللقاحات، وإنما في عدم قدرة أفريقيا على الوصول إليها. وبطبيعة الحال، ينشر مناهضو التطعيم الفوضى أينما كانوا، غير أن الصورة الأكثر دقة عندي، من زياراتي لأفريقيا وآسيا، هي للأم وعائلتها الذين يمشون أميالاً وينتظرون الساعات الطويلة، وربما لأيام متتالية حتى وصول اللقاحات، لأنها تدرك، من تجربتها مع شلل الأطفال والدفتيريا والسل، أن أفضل فرصة لعائلتها للبقاء على قيد الحياة هي الحصول على جرعات اللقاح. والواقع أن تصميمها وإيمانها بقوة الطب في إنقاذ الأرواح يشكلان دعوة أخلاقية للاستجابة، لكن الانتشار الأخير للفيروس يذكرنا أيضاً بضرورة عملية: أننا إذا خذلناها، فكذلك نخذل عوائلنا ومجتمعاتنا بالسماح للفيروس بالتحور بحرية، وأن يعود لملاحقة حتى أولئك الذين تم تطعيمهم بالكامل. ومع توقع «منظمة الصحة العالمية» العام الماضي زيادة عدد الحالات بنحو 200 مليون حالة إصابة، وارتفاع عدد الوفيات بنحو 5 ملايين حالة وفاة بحلول سبتمبر (أيلول) من العام الجاري، فإن الأمر يبدو الآن أقرب إلى الإقلال من شأن الحقيقة الكئيبة القائلة بأنه حتى لا يعيش أحد في أي مكان في خوف، فإن كل شخص في كل مكان لا بد أن يعيش في خوف. بدلاً من التحول من أزمة «كورونا» إلى أزمة «كورونا» أخرى، لا بد من استلهام العزم على جعل عام 2022 عام السيطرة الأخيرة على الفيروس بشكل كامل. وخياراتنا ليست محصورة بين المعززات وتطعيم العالم أجمع. نحن نصنع الآن ما يكفي من اللقاحات - 11.1 مليار جرعة بالفعل، ونحو 19.8 مليار جرعة بحلول يونيو (حزيران) - لتحصين العالم بأسره، لكن الحقيقة التي لا محيد عنها وغير المقبولة هي أنه من بين مليارات اللقاحات التي وزعت في نهاية المطاف، انتهى الأمر بنسبة 0.9 في المائة فقط في البلدان ذات الدخل المنخفض، في حين وزعت نسبة 70 في المائة من اللقاحات في البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط. ومن بين الاختبارات التي أجريت، هناك نسبة 0.5 في المائة أجريت في البلدان ذات الدخل المنخفض، وحتى المعدات الطبية الأساسية، مثل الأكسجين والعلاج الفموي، لا تزال تشكل رفاهية، ناهيكم عن أجهزة التنفس الصناعي. إن ما يُقدر بنحو 500 مليون من الفقراء بالفعل يزدادون فقراً مدقعاً بسبب المدفوعات الواجب عليهم تكبدها مقابل الرعاية الصحية، فضلاً عن الانخفاض المؤسف في معدلات التطعيم الكامل بنسبة 4.8 في المائة في البلدان ذات الدخل المنخفض، ومعدل 9.96 في المائة في أفريقيا، يشكل وضعاً معيباً وكئيباً يعكس مدى تقديرنا للحياة البشرية في جنوب العالم، بتكاليف أقل بكثير عند المقارنة بالشمال. وهذا التفاوت ليس مجرد فشل طبي، بل إنه عثرة أخلاقية ووصمة عار على أرواحنا العالمية. إن التحدي العالمي الكبير لعام 2022 هو إزالة هذه الوصمة عبر توفير المال لجبر الفجوة الهائلة بين أثرياء العالم وفقرائه غير المحميين، وبذلك يُقضى على النقص المستمر الذي لا يمكن الدفاع عنه في تمويل جهود الصحة العالمية. أعرف من تجربتي مع الأزمة المالية عام 2009، عندما كان الاقتصاد العالمي مدعوماً بـ1.1 تريليون دولار، أنه على حد تعبير «كينز» عن حالة طارئة سابقة: «كل ما نستطيع القيام به فعلاً، يمكننا تحمله». وخلال الأسابيع الأولى من 2022. يتعين علينا أن نحقق للعالم ما تسعى إليه بريطانيا من أجل مواطنيها: نشر كل ممرض متاح، واستقدام كل عامل متاح في مجال صحة المجتمع، وتوفير كل اختبارات وعلاجات متاحة، والسيطرة على كل وكالة توزيع معروفة، واستدعاء الدعم من الجيش عند الضرورة، وإظهار أنه كما يمكن لشركة «كوكا كولا» الوصول إلى أماكن بعيدة غير مدرجة في الخرائط، كذلك يمكن لشركة «فايزر» توفير اللقاحات بالطائرات المسيرة، ثم يجب علينا توصيل الجرعات إلى مجتمعات لم يسبق لها تجربة تطعيمات البالغين. وعليه، يتعين على أكثر الاقتصادات ثراءً المسارعة إلى تلبية الطلبات الملحة بتأمين مبلغ 23.4 مليار دولار، الذي يتضمن 1.5 مليار دولار لتمويل منظمة الصحة العالمية من «مسرع الوصول إلى أدوات كوفيد - 19»، أي الوكالة المنسقة للقاحات والتشخيص والعلاجات. وقد يبدو المبلغ ضخماً، لكنه أصغر بأكثر من 200 مرة من مبلغ 5.3 تريليون دولار، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، للخسارة الناجمة عن تفشي الفيروس في الناتج الاقتصادي بحلول عام 2025، وينقسم مبلغ 23 مليار دولار إلى 10 بنسات في الأسبوع فقط، يسددها كل مواطن من سكان الشمال العالمي، وسوف يكون أفضل استثمار في تاريخ العالم. وما من شك أن صناعة الفارق بين الحياة والموت تساوي أكثر من ثمن أرخص علبة بسكويت. وهناك أربعة مصادر محتملة للتمويل المستدام طويل الأمد لتغطية مبلغ 23 مليار دولار، و24 مليار دولار إضافية لبناء الإمكانات الداخلية لإدارة الاختبارات والعلاجات، و10 مليارات دولار مطلوبة بصفة سنوية، وهو المبلغ الموصى به من واقع ثلاثة استعراضات مستقلة، للإعداد لمواجهة ومنع الأوبئة في المستقبل، والتي يمكن التعهد بالتبرع بها جميعاً في مؤتمر اللقاحات، والذي سوف يدعو إليه الرئيس بايدن في بدايات عام 2022.

أولاً، يتعين على المجتمع الدولي الاتفاق على صيغة تقضي بتقاسم التكاليف بشكل منصف بين البلدان بنفس الطريقة التي نمول بها عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، التي عاونت البلدان في ستينات القرن العشرين في جهود القضاء على الجدري. ولم يعد بوسعنا الاعتماد على اليانصيب المجزأ من التمويل الصحي العالمي الأشبه بحملة جمع التبرعات الخيرية أكثر من كونه محاولة جادة لتجاوز سياسات التوسل. إن أنقى منفعة عامة على الإطلاق للسيطرة على الأمراض المعدية لا بد أن تكون قائمة أولاً على تقاسم الأعباء متعددة الأطراف والمشاركة في تمويل منظمة الصحة العالمية وجهود الصحة العالمية، حيث تعرض كل من الولايات المتحدة وأوروبا نحو 25 في المائة من التكاليف، في حين تسهم بقية بلدان العالم على أساس المقدرة على الدفع.

ثانياً، يجب تصحيح الفشل العميق للنظام العالمي الذي كشفه فيروس «كورونا»، إذ تملك منظمة الصحة العالمية، وأولئك الذين يتمتعون بالصلاحيات العالمية للعمل، أقل الموارد، في حين يتحكم صندوق النقد الدولي والبنوك الإنمائية متعددة الأطراف بأغلب الموارد من دون تفويض محدد بالعمل. ولا بد من تخصيص 10 بلايين دولار أخرى من موارد البنك الدولي، ومرفق جديد للقاحات لدى صندوق النقد الدولي، و100 مليار دولار من الأموال الدولية الجديدة، ولا بد من نشرها على وجه السرعة بنظام حقوق السحب الخاصة، بغية بناء الأنظمة الصحية في البلدان ذات الدخل المنخفض.

ثالثاً، يتعين علينا أن نكون أكثر إبداعاً من خلال استخدام ضمانات الشمال العالمي كمصدر للتمويل الذي نحتاج إليه. ومن الممكن الاستعانة بنحو 2 مليار دولار فقط من الضمانات لإنشاء مرفق مالي دولي مخصص للصحة، الذي من الممكن أن يجمع 1.5 مليار دولار من الموارد الإضافية لصالح البلدان الأكثر فقراً.

أخيراً، علينا النظر في كيفية زيادة عائدات ضريبة التضامن الخاصة بمبادرة الصحة العالمية (يونايتد)، والتي جمعت منذ عام 2006 نحو 1.25 مليار دولار من ضرائب خطوط الطيران الدولية ذات الصلة بالصحة العالمية، ومع إقرار كبريات شركات الأدوية راهناً بأنها لم تفعل ما يكفي، ينبغي مطالبة الشركات، التي سوف تستفيد من استئناف حركة التجارة، بالانضمام إلى المؤسسات في جهود هزيمة فيروس «كورونا» عالمياً. إن الأمل مُكون مرن، ولكنه هش للغاية. ويموت الأمل مع تكدس اللقاحات لدى بعض البلدان مع شدة احتياج الآخرين إليها. وعندما يفشل الأغنى في الوفاء بالوعود الرسمية التي قطعها على نفسه للفقراء، وعندما تأتي الأرباح مُقدمة على أرواح الناس، لكن الأمل من الممكن أن يحيا هذا العام. وما بدا مستحيلاً ذات يوم من الممكن أن يصبح ممكناً اليوم. وسوف يبدأ هذا ببلد غني واحد أولاً، ثم بلدين، ثم ستة بلدان، ثم يتوحد الجميع سوياً، عاقدين العزم على وقف زحف هذا المرض الفتاك، ليس فقط لإنقاذ الأرواح، وإنما للتأكيد على أننا نقدر أرواح البشر كافة بالتساوي. بهذه الأفعال التضامنية، فإن آلاف الأمهات، مثل أولئك اللاتي قابلتهن في جميع أنحاء أفريقيا، واللواتي ينتظرن اليوم معرفة ما إذا كان العالم الذي انهار في عامي 2020 و2021 سيتحد في عام 2022، سوف يكتشفن، بارتياح، أننا حقاً نشعر بآلام الآخرين وأننا نؤمن بشيء أكبر من أنفسنا.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,098,768

عدد الزوار: 6,934,697

المتواجدون الآن: 87