الحصار قطع الاتصال المباشر مع الفلسطينيين لكن تل أبيب عوضتها بالهاتف والإنترنت

تاريخ الإضافة الأحد 15 تشرين الثاني 2009 - 6:55 ص    عدد الزيارات 1317    التعليقات 0

        

عندما يستقبل أحد سكان قطاع غزة اتصالا هاتفيا مع عبارة «رقم مجهول» على شاشة النقال، تقتضي الحيطة والحذر أن لا يرد على هذا الاتصال. فمنذ أكثر من سنة تقوم «الشين بيت»، جهاز المخابرات الإسرائيلية، بعملية واسعة لانتداب جواسيس فلسطينيين عبر حملة مكثفة من الاتصالات الهاتفية.
وتقريبا كلّ واحد من غزة يعرف صديقا أو قريبا أو زميلا وقع الاتصال به من شخص يتحدث بلهجة عربية غير متقنة تماما. «هذه هي التقنية الجديدة التي يستعملها الإسرائيليون»، بحسب ما أفاد فادي حسين، وهو الاسم الحركي للشرطي السابق في حركة فتح، والذي وقعت إقالته عقب اتهامه بالاتجار بالأسلحة. ويضيف «إنهم يتصلون بالجميع وبشكل مكثف لأن الحصار المفروض على قطاع غزة حرمهم من الاتصال المباشر مع الفلسطينيين».
ومنذ أشهر قليلة تلقى فادي عرضا من شخص قدّم نفسه تحت مسمى نضال. كان يعتقد في البداية أنها مجرد خدعة، لكن عندما استمع إلى مخاطبه في الجهة المقابلة يملي عليه أسماء بناته الست وأبنائه الثلاثة، تجمد فادي في مكانه. وفهم من ذلك الحين أن تواجده في منطقة الشجية، على حدود قطاع غزة، وعلاقاته بأغلب عصابات الاتجار بالأسلحة في غزة، جعلت منه هدفا مغريا لخبراء الشين بيت.
لكن فادي كان حاذقا هذه المرة. فبعد اتصالين أو ثلاثة، أعطى نضال لفادي رقمه الخاص. فأقفل فادي هاتفه النقال، وغيّر شريحته، ثمّ أعطى رقم نضال لكل أصدقائه الذين لم يتوانوا لحظة في شن حملة إزعاج كبيرة. «لقد كانوا يسبونه ويقترحون عليه التعاون مع حركة حماس. وخلال أيام قليلة أقفل نضال هاتفه الجوّال» بحسب فادي.
لكن الشين بيت كانت أكثر حظا مع أبو رشيد. ففي بداية العام 2008، كان هذا الثلاثيني يعمل في مجال طب الأسنان في النهار، وينضم في الليل إلى إحدى ميليشيات الجهاد الإسلامي. وفي أحد الأيام تلقى اتصالا هاتفيا من رجل سمى نفسه أبو إبراهيم. وراح هذا الأخير يقول بلهجة عربية متقنة إنه يتصل «من الجهة المقابلة» وهو على اطلاع كبير بعمليات أبو رشيد. ولكي يرفع كل الشكوك، قدم وصفا دقيقا لكل المنتمين للمقاومين في الجهاد الإسلامي، كما قدّم رقم بطاقة الهوية المدنية لأبو رشيد. ثمّ في الأخير اقترح عليه التعاون. «أنذرت في الحين إدارة الجهاد الإسلامي، لكن القياديين طلبوا مني أن أكمل اللعبة بغاية التعرف أكثر فأكثر على تقنيات المخابرات الإسرائيلية»، كما قال أبو رشيد.
وبعد الاتصال الثالث من محدثه الإسرائيلي، تلقى أبو رشيد 1000 شيكل، تسلمها في ظرف مغلق وجده مخبأ بعناية في أحد المساجد. فسلم أبو رشيد هذا المبلغ إلى القيادات في الجهاد، ثمّ أتلف شريحة الهاتف النقال الخاصة به.
لكن شرطة حماس لم تقتنع بهذه الرواية واتهمته بأنه جاسوس مزدوج. وأصدرت بحقه في سبتمبر الماضي حكما بالسجن لعشر سنوات. ويقبع طبيب الأسنان في النهار والمحارب في الليل الآن في إحدى زنزانات أحد المقرات القديمة لحركة فتح في غزة، والتي سيطر عليها مسلحو حماس.
وفي مقر الشرطة المركزي في غزة، يصغي أبو عمر، مسؤول العلاقات العامة، لكل هذه الحكايات بعناية كبيرة، مؤكدا أن اسرائيل «لم تكن تعاني في انتداب المتعاونين في السابق، ويكفيها أن تغري أي فلسطيني بإذن عمل في تل أبيب أو بتسريح علاج في الخارج. وقد تمكنوا بهذه الطريقة من عقد اجتماعات سرية في المستوطنات، ولم تتردد الأجهزة الأمنية لحركة فتح في توفير الظروف المناسبة لمثل هذه الاجتماعات. لكن بسبب الحصار وبتسلم حماس مقاليد الحكم قطعت كل هذه الاتصالات. ولهذا تعتمد الشين بيت الآن على الاتصالات الهاتفية والإنترنت».
لكن عمليا لم توقف إسرائيل أساليبها القديمة في انتداب المتعاونين، فالمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان الإسرائيلية تحتفظ اليوم بشهادات مرضى فلسطينيين عولجوا في إسرائيل أو في الضفة الغربية على حساب الشين بيت. لكن تل أبيب لطالما أنكرت هذه الأساليب، فيما أطلقت حماس حملة تحذيرية لمواجهة هذه التهديدات ووزعت في المدارس والجامعات نشرة (بروشور) تحت عنوان «فخ الشيطان».
من جهته عرض موقع «المجد» المتحالف مع الإسلاميين شهادات عن أخطار الاتصالات الهاتفية المجهولة المصدر، ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك. غير أن أبرز ما تستشهد به حماس في هذا السياق هو تسجيل لمحادثة بين أحد العملاء الإسرائيليين وأبو سعيد، الذي ينتمي للجان المقاومة الشعبية، إحدى الفصائل التي شاركت في اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. وقد بثت حماس هذا التسجيل على موقعها على الانترنت، وبحسب أبو سعيد فإن «الإسرائيلي يتحدث العربية أحسن مني. إنه يستعرض مواعيد دقيقة حتى يبرهن لي أنه يتحكم في مصيري. لكن دون جدوى، فهل أفلحوا في إطلاق سراح شاليط أو سحب بساط الحكم من تحت حماس؟!»

إعداد خالد جبار
عن صحيفة «لوموند» الفرنسية

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,054,331

عدد الزوار: 6,750,224

المتواجدون الآن: 115