الى أقباط مصر: الخسارة مع الإسلاميين ولا الربح مع العسكريين!

تاريخ الإضافة الأحد 10 حزيران 2012 - 5:55 ص    عدد الزيارات 395    التعليقات 0

        


 
محمود حداّد

الى أقباط مصر: الخسارة مع الإسلاميين ولا الربح مع العسكريين!

 

مصر في ثورة غير منتهية وهي أيضاً في ثورة مضادة غير منتهية هي الأخرى. منذ عام ونصف ومصر في صراع، ليس بين العلمانيين والإسلاميين أي بين أنصار الدولة المدنية والدولة الدينية  كما يبدو للوهلة الأولى، بل في صراع بين الدولة العسكرية والدولة الدينية.

هو صراع طيف وازن من أطياف المجتمع المصري والعسكريين الذين يريدون الاستمرار في الحكم من وراء ستار بعد انكشاف كثير من الأدوار. فهؤلاء يستخدمون كل ما يقع بين أيديهم من حيل وخدع  لنشر عدم الاستقرار والفوضى ثم لنشر الخوف من عدم الاستقرار والفوضى (وهم في هذه الوسائل ليسوا وحيدين في شرقنا العربي- ونحن نعرف أن بعضاً ممن يُسمّون "جهاديين" ما هم في الحقيقة إلا أدوات لأجهزة استخبارية إذ أن إبقاء حالة اللاستقرار والشحن الطائفي كانت بهدف دفع الأقليات لأن تلوذ بالنظام العسكري خوفاً من الإسلامويين وقد جرى ذلك تحت شعار: "أنا أو الفوضى" أو "أنا او الدولة الدينية أو السلفية القاعدية".
من هنا نفهم لماذا تم السماح بالهجوم على المتظاهرين في ميدان التحرير في "واقعة الجمل" الشهيرة والسماح بسفك دماء الشباب القبطي في موقعة ماسبيرو والسماح لبلطجية النظام بإحراق معهد البحوث التاريخية على الرغم من أنه لا يبعد إلا عشرات الأمتار عن وزارة الداخلية في قلب القاهرة.
من ضمن الخائفين لدواع محقة والذين تم تخويفهم جمهور الأقباط المتوجس من صعود الأخوان المسلمين والسلفيين في الحياة السياسية المصرية العامة. والأقباط، مثلهم مثل باقي المصريين الطبييعيين  (ولا أقول العاديين)، لا يريدون الاختيار بين الاسلامويين  وفلول النظام السابق، أي بين  السيّء والأسوأ، وهو الخيار الذي ناور المجلس العسكري بذكاء أو تذاكٍ مفضوح لوضع كل الناخبين أمامه. وحسب أنباء الصحف المصرية فإن جمهور الأقباط وقيادات المسلمين الليبراليين واليساريين قرروا دعم ممثل العسكر، الفريق أحمد شفيق، لأنه أهون الشرين ولأنهم يريدون العودة الى الحياة الطبيعية بعد مرحلة من عدم الاستقرار المتعب في البلاد.
ولكن من غير المفهوم لماذا قام المعترضون المسلمون والأقباط  على وصول "الأخوان والسلفيين" بقسمة أصواتهم بين أحمد شفيق وحمدين صباحي (الناصري المدني المعتدل) في مرحلة الانتخابات الرئاسية الأولى؟  فقد كان صباحي المرشح الأمثل للخروج من الورطة المخططة بعناية والتي وضعت الناخبين بين خيارين كلاهما مر. ومع ذلك، فقد أصبح صباحي الرقم الصعب في المعادلة السياسية المصرية. والغالب انه سيكون له دور سياسي مهم في مقبل الأيام إذا ظل صامدا في مواقفه ولم يتنازل لأي من الطرفين. ولقد أخطأ الجمهور الواسع من الأقباط، برأينا، عندما اعطى نصف اصواته تقريبا للفريق محمد شفيق، الرمز الأبرز لنظام مبارك.
لن ندخل في جدل عقيم حول أسباب ما جرى ولكن هل يمكن تجاوز المأزق الحالي وتجاوز المخطط الداخلي- الخارجي الذي يقضي بعودة العسكر الى الحكم الفعلي ومن ثم ترتيب الأوراق على أساس تحالفهم الصوري مع الاسلاميين بالطريقة التي تمت في انتخابات مجلس الشعب سيراً على النموذج الباكستاني الذي تؤيده قوى خارجية معروفة؟ (لا تقوم حملة أحمد شفيق بتوزيع الإعانات التموينية في الريف المصري بدون تمويل من جهة أو جهات ولأسباب إنسانية!).
إنّ الكتلة القبطية هي، برأينا، "بيضة القبان" هنا. فالخوف سيدفعها للتصويت في الانتخابات التكميلية لمصلحة شفيق، ولكنها تعرف أن معاناتها السابقة انما كانت بسبب سياسات الدولة العسكرية اليمينية بالذات. وهي لن تستطيع الخروج من هذه المعضلة بسهولة ويُسر كما يُصور، بل إن الأمر يتطلب تفكيرا شجاعا لا تقليدياً يقلب جميع الأوراق لمصلحتها ولمصلحة مصر ولمصلحة الديمقراطية في أرض الكنانة ويؤسس لنموذج يُحتذى في كل الشرق العربي.
وفي ظن هذا الكاتب فإن الكتلة القبطية تستطيع، ولو لوهلة، استخدام نوع من الخيال التاريخي، أن تبحث في التصويت لمصلحة محمد مرسي، مرشح الاخوان المسلمين، بعد التوصل الى تفاهم أو ميثاق ملزم بين الطرفين، وتضمن فوزه. وعندها لن يستطيع العسكر الاستمرار في المدى الطويل أو المتوسط في سياسة تخويف المصريين بعضهم من بعض، ويضطر الاسلامويون الى أخذ مطالب الأقلية القبطية في عين الاعتبار.
يقول العارفون إن غموضا يحيط بمواقف الإسلامويين وأنه لا يمكن الوثوق بعهودهم وهذا محتمل، لكن الوضوح الذي يحيط بموقف المجلس العسكري من الإصرار على استقلالية الموازنة العسكرية عن الموازنة العامة والتهرب من نشرها وعدم  وضع القوات المسلحة عمليا تحت رقابة أجهزة الدولة المختلفة خاصة التشريعية وتلاعبهم بالقوانين الدستورية والتنفيذية، كل هذه أمور لا  تبشر بوضع ديموقراطي مختلف عن الوضع الذي كان قائما أثناء حكم الرئيسيين السادات ومبارك.
ثم إن العسكر في أكثر من بلد عربي، بما فيها مصر، أتى إلى السلطة بعد نكبة 1948 وفي جعبته مشروع وطني وقومي استقلالي لمجابهة التحدي الصهيوني وخطة داخلية لنشر العدالة الاجتماعية، غير أن الهدف الأخير لم يعد قائما بعد استيلاء تحالف الرأسمالية الرثة والمتوحشة والفساد الرسمي على الاقتصاد الوطني كما جرى التخلي عن الهدف الأول، لأن الأمن الداخلي حلّ محل الأمن الخارجي في أولويات الأنظمة التي فقدت أدوارها الإقليمية والدولية مهما كان حجم هذه الأدوار. وللإنصاف، فقد ساعدها على التسليم بتفوق إسرائيل وعدم تحديها، ولو ديبلوماسيا فحسب، ونفض أيديها من القضية الفلسطينية، عوامل موضوعية دولية غلاّبة على امتداد العالم. ولكن المحصلة أن العسكريين فقدوا شرعيتهم الوطنية ولم يعد لديهم أي برنامج اجتماعي أو سياسي داخلي أو خارجي ولم يعودوا يؤلفون بديلا مقبولاً من الأحزاب والقوى السياسية القائمة.       
قد يبدو اننا نطلب الكثير من الكتلة القبطية في هذا الاقتراح الذي سقناه... ولا شك أننا نفعل ذلك. و قد يبدو ان هذا السيناريو غير واقعي... ولا شك في انه كذلك في الحساب السياسي البسيط، لكن الكتلة القبطية ستنجز الكثير تاريخيا إذا ما راهنت على"المستحيل الممكن" ولو لمرة واحدة، وقامت بخطوة كهذه يكون من أقل نتائجها إرساء قاعدة صلبة للتصالح الإسلامي- القبطي على المستوى الشعبي وتجاوز مصرلاحتكاك سياسي واجتماعي طال مداه في التاريخ المعاصر. سيكون بوسع الأقباط، إذا ما أخذوا هذه الخطوة، أن يقلبوا الطاولة ويتزعموا المبادرة الوطنية وينزعوا السلاح الايديولوجي الديني من كل الأيدي ويضعوا الجميع أمام تحدي التفكير خارج الأطر التقليدية المعتمدة. ولعلها ستكون مغامرة إذا ما أُخذت بجدية إنما مغامرة من النوع التاريخي الذي يستأهل المغامرة.
 

استاذ جامعي

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,767,168

عدد الزوار: 7,002,775

المتواجدون الآن: 69