الشرعية الثورية فى مواجهة سيادة القانون!

تاريخ الإضافة الجمعة 8 حزيران 2012 - 5:56 ص    عدد الزيارات 388    التعليقات 0

        

الشرعية الثورية فى مواجهة سيادة القانون!
بقلم السيد يسين – القاهرة

 

ليس هناك أدنى شك فى أن الحكم الذى أصدرته محكمة الجنايات برئاسة المستشار أحمد رفعت يعد حكماً تاريخياً ليس على مستوى مصر فقط، ولكن على مستوى العالم العربى كله.

لأول مرة فى التاريخ العربي يحاكم رئيس جمهورية أمام محكمة عادية وليس محكمة ثورية، في ظل مبدأ قانوني راسخ هو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وفي الوقت نفسه هناك التطبيق الدقيق لضمانات المتهمين الذين قدموا للمحاكمة الجنائية المنصوص عليها فى قانون الإجراءات الجنائية. وهكذا إتسع صدر المحكمة بعد سماع مرافعة ممثل النيابة العامة ضد المتهمين طالباً أقصى العقوبة لكل منهم، للاستماع لدفاع المتهمين والمدعين بالحق المدني.
صدر الحكم الذى انتظرته الملايين فى كل أنحاء مصر، والذي قضى بالسجن المؤبد لكل من الرئيس السابق حسني مبارك ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي وبراءة مساعدي وزير الداخلية نظراً للافتقار إلى الدلائل التى تثبت مشاركتهم فى جريمة قتل المتظاهرين، وانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم بالنسبة لكل من جمال مبارك وعلاء مبارك.
وفور صدور الحكم احتشدت ميادين مصر جميعاً بالجماهير وفي مقدمها ميدان التحرير الذي هو الرمز الأبرز لثورة 25 يناير، والذى استطاعت فيه الجماهير الثائرة أن تسقط النظام وأن تجبر الرئيس السابق على التنحي.
اشتعلت فورة الغضب على الحكم واعتبره البعض حكماً سياسياً لأنه أسبغ  البراءة على نظام الحكم السابق الفاسد، فى الوقت الذي قنع فيه بعقوبة السجن المشدد على رأس النظام ووزير داخليته.
ونحتاج لكي نقوّم ردود الفعل الغاضبة سواء من قبل النخب السياسية المختلفة أو من قبل الجماهير الحاشدة، أن نؤكد على مجموعة من المبادئ المستقرة التى ينبغي على الجميع، نخبةً وجماهيرَ، احترامها. المبدأ الأول هو أن الأحكام القضائية التى تصدر من محاكم تستند إلى شرعية دستورية وقانونية هي عنوان الحقيقة.
والمبدأ الثاني أنه لا يجوز الاحتجاج على الأحكام القضائية التي قد لا يرضى البعض عنها لأسباب متعددة، إلا بإتباع الطرق التى نص عليها القانون وهي الطعن في الحكم أمام محكمة النقض، فى المهلة التى حددها القانون، وبتقديم أسباب الطعن الشكلية والموضوعية.
والمبدأ الثاني أنه لا بد للكافة بعد صدور حكم محكمة النقض احترام الحكم أياً كان، سواء بتأييد حكم محكمة الجنايات، أو بتحويل القضية إلى دائرة أخرى لإعادة المحاكمة من جديد. ومن الواضح أن هذه المبادئ المستقرة وعلى رأسها أيضاً عدم جواز التعليق على أحكام القضاء أهدرتها النخب السياسية والجماهير معاً.
قد نستطيع أن نفهم سلوك الجماهير الغاضبة ممن أصدروا الحكم من قبل على الرئيس السابق بالإعدام، نظراً الى أن التزامهم بالمبادئ القانونية المستقرة انهار بحكم التغيرات الكبرى التى لحقت بالمجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير.
وينبغي أن نستذكر فى هذا المجال ما رصدناه من قبل لملامح المجتمع المصري بعد الثورة وهي أربع، لو تأملناها بعمق لفهمنا منطق التظاهرات الجماهيرية الحاشدة التى انطلقت إلى الشوارع والميادين، احتجاجاً على الحكم الذى أصدرته محكمة الجنايات فى الثاني من شهر حزيران 2012.
أول ملمح هو انزواء دور المثقف التقليدي وصعود دور الناشط السياسي.
وقصدنا بذلك أن هذا المثقف التقليدي قد تضاءل دوره لحساب الناشط السياسي القادر على تحريك الشارع وتنظيم التظاهرات التي يشترك فيها الألوف.
وقد تابعنا عقب صدور حكم المحكمة الجنائية على رؤوس النظام السابق وفي مقدمتهم مبارك والعادلي، كيف انطلق النشطاء السياسيون وفى مقدمهم مرشحو الرئاسة الذين خسروا في الانتخابات، للاحتجاج على الأحكام بل إن قادة الإخوان المسلمين الذين تحفظوا في البداية عن النزول لميدان التحرير استغلوا فرصة صدور الحكم للدعاية الانتخابية لمرشحهم محمد مرسي.
وهكذا يمكن القول أن الدور التظاهري الذي يلعبه الآن الناشطون السياسيون يمكن أن يكون خطراً على قيم الديموقراطية فى مصر، وعلى رأسها احترام مبدأ سيادة القانون. وذلك لأن القاضي الجنائي – أياً كان شخصه - يحكم من واقع الأوراق، وليس على هوى الشارع الذى تطالب جماهيره بإصدار عقوبة الإعدام!
ولو ترك القضاء لأهواء الشارع وبناء على تحريض منظم من النخب السياسية غير المسؤولة، لسقطت الدولة ذاتها إذا ما سقط مبدأ استقلال القضاء.
ومن أخطر ما حدث عقب النطق بالحكم صعود هتافات بعض المحامين وأسر الشهداء "الشعب يريد تطهير القضاء". وهذه دعوة بالغة الخطورة، لأن معناها بكل بساطة أنه إذا صدر الحكم على هوى الجماهير أشادت بالقضاء، أما إذا صدر ضد رغبات الناس فيلعن القضاء وتتم المطالبة بتطهيره!
وهذه الهتافات العدائية ضد القضاء فيها عدوان ظالم على مؤسسة القضاء المصري الشامخة، والتي لها تراث مجيد فى الموضوعية والحيادية والانحياز لمصلحة العدل المطلق.
والملمح الثاني من ملامح المجتمع الثوري هو بروز ظاهرة الحشود الجماهيرية والتى حلت محل الجماهير المحدودة. هذه الحشود الجماهيرية يمكن أن ترفع شعارات غوغائية، بل ويمكن أن ترفع مطالب تؤدي إلى تخريب المسار الديموقراطي، وأبرزها إلغاء الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، وتشكيل مجلس ثوري مدني يضم المرشحين الخاسرين فى هذه الانتخابات!
وهكذا تدخلنا هذه الحشود الجماهيرية وعلى رأسها النخب السياسية المحرضة فى مجال اللامعقول، والذي يؤدي إلى إطالة المرحلة الانتقالية وعدم تسليم "العسكر" الحكم فى الموعد المحدد كما تطالب هذه الحشود ذاتها وقياداتها المصطنعة!
أما الملمح الثالث فهو الصراع بين الشرعية الثورية أو "شرعية الميدان" و"شرعية البرلمان". وهنا تلعب النخب السياسية الانتهازية وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين" لعبتها التقليدية، فهي تارة ترفع شعار "شرعية البرلمان" وهي تارة أخرى – وخصوصاً بعد الحكم – ترفع راية "شرعية الميدان"!
إلا أن الصراع الذي برز بين شرعية الميدان والشرعية القانونية ممثلة في احترام أحكام القضاء، يمثل مخاطر جسيمة على المسار الديموقراطي المصري.
إن الموقف الفوضوي الذي انساقت إليه الجماهير الحاشدة بناء على التحريض السافر من النخب السياسية والفكرية والإعلامية احتجاجاً على أحكام القضاء، يمكن أن يدخل بلادنا فى نفق معتم لا خروج منه!
ليس هناك سوى التسليم بقيم الديموقراطية وفي مقدمها احترام مبدأ سيادة القانون!

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,768,095

عدد الزوار: 7,002,803

المتواجدون الآن: 76