مصر: صراع الشرعيات السياسية

تاريخ الإضافة الجمعة 11 أيار 2012 - 5:20 ص    عدد الزيارات 406    التعليقات 0

        

مصر: صراع الشرعيات السياسية

بقلم السيد يسين – القاهرة

 

الثورة السلمية تتحول على يد جماعات سياسية شتى، دينية وثورية، عنفاً فوضوياً نتيجة استغلال النوازع الغوغائية التي تصاحب اي حشود جماهيرية كبرى.

حاولت في المقال الماضي أن أتجاوز الحاضر بما يسوده من مشهد سياسي مرتبك زاخر بالصراعات العقيمة بين تيارات سياسية متعارضة أشد التعارض.
مشهد تكال فيه الاتهامات بالحق أو بالباطل للمجلس الأعلى للقوات المسلحة التي يدير بصفة موقتة المرحلة الانتقالية التي ستنتهي حتما يوم 30 حزيران المقبل، ومشهد يشتد فيه الصراع الحاد والعنيف بين القوى الليبرالية واليسارية، وتيارات الإسلام السياسي ممثلة بالإخوان المسلمين وحزب النور السلفي.
لقد حاولت جماعة الإخوان المسلمين أن تهيمن على مجمل المؤسسات السياسية في البلاد وفقاً لخطة مدروسة تسعى في النهاية- وفقاً لتصريحات المرشد العام وقادتها – إلى تحقيق الحلم القديم للجماعة وهو إقامة الخلافة الإسلامية، وبعبارة أخرى تأسيس دولة دينية خالصة على أنقاض الدولة المدنية الراهنة التي تبعثرت قواها وتشتتت مؤسساتها بعد ثورة 25 يناير.
هذا هو المشهد الكئيب الذي حاولت مغادرته للحديث عن المستقبل. غير أن الأحداث الدامية التي دارت في ميدان العباسية ردتني بعنف شديد من الحديث عن المستقبل لكي أحلل الأحداث الراهنة مرة أخرى، للكشف عن أسبابها الحقيقة وأهدافها المعلنة أو الضمنية.
في 24 نوفمبر 2011 نشرت مقالة بعنوان "انتهازية النخب وغوغائية الشارع" وهي تصلح تفسيراً لأحداث العباسية الدامية. وذلك لأن فريقاً من النخبة السياسية يمثل التيار السلفي بقيادة حازم أبو إسماعيل أشعلوا تمرداً جماهيرياً واسعاً بعد استبعاده من الانتخابات الرئاسية. وتمثل هذا التمرد أولاً في محاصرة مبنى اللجنة العليا للرئاسة وهي تنظر في قضية المرشح المستبعد مما مثل إرهاباً مادياً ومعنوياً للقضاة أعضاء اللجنة. وكان ينبغي على السلطات المسؤولة فض هذا الاعتصام بالقوة، تحقيقاً لمبدأ استقلال القضاء وعدم خضوعه لغوغائية الشارع.
وبعد صدور الحكم النهائي بالاستبعاد دعا أبو إسماعيل أنصاره للاعتصام فى ميدان التحرير الذين رفعوا شعارات غير معقولة أهمها طلب حل اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وتعديل المادة 28 التي تحصن قرارات اللجنة! ومعنى ذلك الرجوع إلى المربع صفر، وإلغاء كل المراحل التي قطعتها في سبيل تنظيم انتخابات الرئاسة. ولو قبلت هذه المطالب العشوائية لأدى ذلك إلى إطالة الفترة الانتقالية التي تصرخ كل التيارات السياسية بضرورة إنهائها في الموعد المحدد وهو 30 حزيران المقبل.
غير أن التمرد الجماهيري السلفي لم يقنع بالاعتصام في ميدان التحرير، ولكنه إنتقل من خلال تظاهرات حاشدة إلى العباسية حيث مقر وزارة الدفاع. ويدّعي بعض الأطراف كذباً أنه كان اعتصاماً سلمياً، وتتشدق جماعة الإخوان المسلمين بل بعض المرشحين للرئاسة، أن الاعتصام السلمي حتى لو كان فوضوياً، وحتى لو كان منظماً لاقتحام وزارة الدفاع، ينبغي عدم فضه بالقوة! بل إن بعض تصريحات ممثلي النخبة السياسية على اختلاف ألوانها تمادت وقررت أن على السلطات حماية المعتصمين حتى لو كان هدفهم اقتحام مؤسسات الدولة!
ما هذه الغوغائية السياسية؟ وهل هناك في أي دولة ديموقراطية تظاهرات حاشدة تقطع الطرق، وتمنع المواطنين من مزاولة أعمالهم، وتسعى لاقتحام مؤسسات الدولة وتترك هكذا باسم الديموقراطية بلا أي محاولة لمنعها أو لقمعها حتى باستخدام القوة؟
ومن قال إن التظاهرات والاعتصامات حقوق مقدسة لا يجوز المساس بها حتى ولو أدى ذلك إلى المساس بمصالح الجماهير العريضة وتهديد الأمن والاستقرار السياسي؟
وقد حذرنا قبل ذلك من تحول الثورة السلمية على يد جماعات سياسية شتى دينية، وحتى ائتلافات ثورية، إلى عنف فوضوي، نتيجة استغلال النوازع الغوغائية التي تصاحب أي حشود جماهيرية كبرى. لأن هذه الحشود حين يتعدى عددها عشرات الآلاف لا يمكن السيطرة على حركتها حتى من قبل الحركات التي نظمتها. ويصبح اللجوء إلى العنف احتمالاً كبيراً نتيجة تعمد هذه الحشود الاصطدام بقوات الأمن. حدث هذا في "ماسبيرو" وشارع "محمد محمود" وأمام "مجلس الوزراء"، حيث اختلط الثوار مع البلطجية مع أطفال الشوارع، مما أدى إلى أحداث عنف دامية لا نعرف فيها من القاتل ومن المقتول!
وسبق أن ركزنا قراءتنا للمشهد السياسي في مقال بعنوان "قراءة تحليلية لخريطة المجتمع المصري"، أبرزنا فيها ملامح المجتمع المصري بعد الثورة.
وقررنا – للتذكرة - أن أول ملمح هو انزواء دور المثقف التقليدي وصعود دور الناشط السياسي. وهذا الناشط السياسي ليس بالضرورة أن يكون مثقفاً ولكن لديه القدرة الفعّالة على تحريك الشارع وإثارة الجماهير وقيادة الحشود الجماهيرية ورفع الشعارات الزاعقة، والمناداة بمطالب يستحيل تحقيقها في الأجل القصير.
أما الملمح الثاني فهو ظهور الحشود الجماهيرية التي لا يمكن السيطرة على حركتها، والتي تنزع عادة للعنف، ومن الصعب التمييز في صفوفها بين الثوريين الحقيقيين والثوريين المزيفين ممن احترفوا تهييج الشارع، بالإضافة إلى البلطجية المحترفين.
وتبقى أخطر مشكلة وهي صراع الشرعيات السياسية، بين شرعية الميدان ويقصد بها الشرعية الثورية، وشرعية البرلمان ويقصد بها الشرعية الدستورية.
فى ضوء هذا الصراع رفضت الائتلافات الثورية شرعية البرلمان، ورفعت شعار أن شرعية الميدان هي الأساس وأنها ستبقى إلى الأبد. وفي الوقت نفسه أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أنها ترفض "شرعية الميدان" على أساس أنه ليس هناك سوى شرعية واحدة هي شرعية البرلمان.
غير أن الجماعة كعادتها عدلت من موقفها في إطار صراع مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ونزلت في تظاهرات حاشدة إلى ميدان التحرير على أساس شرعية الميدان.
ما هذه التناقضات المتطرفة التي تشير إلى تعمق الانتهازية السياسية فى مسلك جماعة الإخوان المسلمين؟
ويبقى السؤال الرئيسي ونحن على بعد أسابيع قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية والتي ستعجل بتسليم المجلس الأعلى للقوات المسلحة للسلطة إلى المدنيين، كما هو المطلب السياسي العام، من الذي من مصلحته تعويق المسيرة ونسف مسار الانتخابات والنزول إلى الشوارع في محاولة يائسة ليس للاعتراض السياسي فقط، ولكن لهدم الدولة ذاتها؟
المسؤولية بكل قطع تقع على كل الأطراف السياسية من أحزاب تقليدية وأحزاب سياسية جديدة وائتلافات ثورية وتيارات دينية.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,261,458

عدد الزوار: 6,984,549

المتواجدون الآن: 72