وماذا عن الديموقراطية داخل الأحزاب العربية؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 25 أيار 2011 - 6:27 ص    عدد الزيارات 498    التعليقات 0

        

وماذا عن الديموقراطية داخل الأحزاب العربية؟
بقلم علي خليفه الكواري

الثورات والانتفاضات من أجل الديموقراطية على امتداد الساحة العربية اليوم، تجعل من مطلب ممارسة الديموقراطية داخل أحزاب ومنظمات المجتمع وفي ما بينها، ضرورة عاجلة لا تستقيم نظم الحكم الديموقراطية المنشودة في الدول العربية، دون انتقال الأحزاب القائمة إليها وإنشاء أحزاب جديدة على أسسها.
إذا كان انتقال الأحزاب الى الديموقراطية مهم في كل الأوقات، فإن انتقال الأحزاب القائمة وإنشاء الأحزاب الجديدة المنتظرة في الدول العربية على أسس الممارسة الديموقراطية في عصر الثورة الديموقراطية قضية إستراتيجية ومدخل لممارسة الديموقراطية في الدول العربية.
وهذا الإصلاح الديموقراطي الواجب اليوم داخل الأحزاب العربية، كان أحد اهتمامات مشروع دراسات الديموقراطية. وقد كان وعي الطيف الديموقراطي عبر التيارات ومن مختلف الأحزاب والحركات العربية، بالرغم من وجود معضلات قيام أحزاب ديموقراطية في دول غير ديموقراطية، قد سمح بقدر من المقاربات الفكرية والإصلاحات التنظيمية أدت إلى تقارب في الفكر والممارسة الديموقراطية المحدودة داخل أحزاب عربية، وبالتالي سمح لفكرة الكتلة التاريخية والحركة الديموقراطية الجامعة أن تبرز، وان يتم التوافق على معالم مشروع ديموقراطي بديل من نظام الحكم القائم في عدد من الدول العربية.
 ولعل اللقاء المشترك في اليمن، وكفاية وأخواتها في مصر وصولاً للجمعية المصرية للتغيير، وهيئة 18 أكتوبر في تونس ومحاولات مماثلة في موريتانيا والمغرب والأردن، هي ثمرات لفكر الطيف الديموقراطي عبر التيارات والأحزاب والحركات السياسية في الدول العربية.
ومن هنا كان وضوح الفكر الوطني الديموقراطي في ثورات تونس ومصر واليمن هو الذي أبرز مشروع انتقال ديموقراطي، متوافق على الحد الأدنى من معالمه في هذه البلدان الثلاثة. وهو أيضا العامل المؤثر- إلى جانب عوامل أخرى - في سلمية  وجماهيرية هذه الثورات وقدرتها على توفير الشروط اللازمة للانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي. وهذا النجاح لا شك في إنه من نتائج نمو بوادر فكر ديموقراطي غير إقصائي في المجتمع، مما أفشل ألاعيب الاستبداد في الضرب على وتر المخاوف بين مكونات الشعب.
ويمكننا القول أن نمو الفكر والممارسة الديموقراطية داخل الأحزاب والجماعات السياسية هما من المُقدمات الضرورية للإصلاح الديموقراطي ولقيام تحركات أو انتفاضات أو ثورات سلمية وجماهيرية ناجحة من أجل الانتقال إلى نظم حكم ديموقراطية.
كما أن ممارسة الديموقراطية داخل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في كل دولة تنتقل إلى نظام حكم ديموقراطي، هو أحد التحديات الكبرى لاستقرار نظم الحكم الديموقراطية التي قامت الثورات من أجل تحقيقها. وهذه المقدمات الإستراتيجية ومواجهة التحديات المستقبلية لنظم الحكم الديموقراطية الناشئة، تتوقف على نمو الفكر والممارسة الديموقراطية في المجتمع مُمثلاُ في الأحزاب والجماعات والجمعيات غير الحكومية وفي ما بينها في مرحلتي الانتقال والتحول الديموقراطي الذي يليه.
ومن أجل مواصلة الحوار حول الديموقراطية ونشر ثقافتها، تم إطلاق موقع الجماعة العربية للديموقراطية  http://arabsfordemocracy.org ليكون منتدى للانتقال من مرحلة التبشير بالديموقراطية خلال حقبة مشروع دراسات الديموقراطية، إلى العمل من أجل إصلاح ديموقراطي يشمل الدولة والمجتمع.
ومن أجل المشاركة الفعالة، ربما نحتاج إلى إطلاق "منتدى للأحزاب العربية الديموقراطية"، يختص بالحوار والتعاون بين قيادات الأحزاب، والتطوير والتدريب لكوادر الأحزاب العربية. ويحسن بهذا المنتدى أن يبدأ بتنمية مفهوم للحزب الديموقراطي يصلح لوضع مؤشر لتقديم حالة الديموقراطية داخل الأحزاب.
وفي ضوء التشابه بين مقومات وضوابط نظام الحكم في الدولة والضوابط الحاكمة لإدارة الأحزاب – مع وجود  فوارق - يمكننا إجمال المبادئ والمؤسسات والآليات التي يلزم وجود حد أدنى منها في الحزب حتى يكتسب صفة الديموقراطية، في ما يلي:
أولا: أن تكون سلطة تحديد خيارات الحزب واتخاذ قراراته من حق أعضائه كلهم. و أن لا يكون في الحزب سيادة على أعضائه من قبل فرد أو قلة أو مؤسسة. وعلى الحزب الديموقراطي تأكيد مهنية بيروقراطيته وعدم تفويض هذه البيروقراطية اتخاذ القرارات السياسية، وذلك حتى لا تهيمن بحكم تفرغها للعمل في الحزب، على خيارات وقرارات الحزب العامة وتصبح هي الموجهة والمسيطرة على السلطات في الحزب.
 ثانيا:أن تكون العضوية هي وحدها مناط الواجبات ومصدر الحقوق الحزبية. وأن تكون العضوية في الحزب – من حيث المبدأ – مفتوحة لجميع المواطنين دون إقصاء أو تمييز من حيث الجنس أو العرق والدين والمذهب، وأن يكون اكتساب العضوية متاحاً - من حيث المبدأ - لكل من اكتسب صفة المواطن في الدولة. وقد يثير هذا المبدأ إشكالية لدى الأحزاب الدينية والطائفية والإثنية والمناطقية. وتحتاج هذه الإشكالية إلى مقاربة من خلال آلية ائتلاف بين هذه الاحزاب بما يسمح أن تكون عضوية الائتلاف شاملة للنسيج الوطني دون إقصاء. وفي هذه الحالة يمكن الأحزاب أن تتداول السلطة سلمياً، وهذا الانتقال للسلطة سيكون انتقالاً من الشبيه الوطني إلى الشبيه الوطني. إذ من المتعذر انتقال السلطة سلمياً من النقيض إلى النقيض، حيث في هذه الحالة يكون هدف كل فئة في المجتمع هو إقصاء الآخرين وليس تداول السلطة معهم سلمياً.
ثالثا: أن يحتكم أعضاء الحزب في علاقاتهم الداخلية إلى شرعية نظام أساسي (دستور الحزب)، مثلما يحتكم المواطنون إلى دستور الدولة الديموقراطية، مع الفارق بين الكيانين. ومقومات هذا الدستور ما يأتي:
-1 أن يكون أعضاء الحزب هم مصدر السلطة في الحزب ولا وصاية لفرد أو قلة من أعضاء الحزب أو غيرهم على قراره.
-2 سيطرة نظم الحزب ولوائحه، والمساواة أمامها بين أعضاء الحزب في ضوء قانون الأحزاب ودستور الدولة.
-3 عدم الجمع بين السلطة التنفيذية في الحزب والسلطة التشريعية التي يجب أن  يمتلكها مؤتمره العام المنتخب انتخاباً دورياً حراً ونزيهاً. هذا إلى جانب وجود شكل من أشكال المحكمة الحزبية الدستورية المستقلة يعود لها الفصل في الشؤون الحزبية بين أعضاء الحزب وأطيافه الداخلية قبل اللجوء إلى القضاء في الدولة. وحبذا لو تكون  المحكمة الحزبية الدستورية المقترحة محكمة درجة أولى في التقاضي بحكم قانون الأحزاب، والتي يمكن استئناف أحكامها أمام المحكمة الدستورية في الدولة.
-4 ضمان حرية التعبير في الحزب وإتاحة الفرصة لنمو التيارات والأطياف داخله وأخذها اشكالا معترفا بها داخلياً، وذلك من أجل نمو الأحزاب وبلوغها مستوى الكتل المؤثرة التي تسمح بالتعدد في إطار  الوحدة، وتقضي على أسباب التفتت والانشقاق الملحوظة في الأحزاب ألعربية.
-5 تداول السلطة في الحزب وفق آلية انتخابات دورية حرة ونزيهة وفعالة تؤدي إلى تداول السلطة وتجديد القيادات من القاعدة إلى القمة.
-6 قبول الحزب لوجود غيره من الأحزاب، وضبط فكره ومنهجه وبرنامجه في ضوء الحقوق والواجبات المتعارف عليها في نظام الحكم الديموقراطي لكل الأحزاب الديموقراطية.
-7 وأخيرا وليس آخرا، إيمان الحزب بنظام الحكم الديموقراطي في الدولة والدفاع عن مبادئه ومؤسساته والياته العامة المشتركة والتي لا تقوم للديموقراطية قائمة إذا عبث بها.
وجديرٌ بالتأكيد أن كل هذه المقومات المطلوبة في الحزب الديمقراطي هي أسس وضوابط رسمية وقانونية تستهدف الوصول إلى الممارسة الديموقراطية داخل الحزب، و لكن أهميتها تتوقف على تطبيقها على أرض الواقع. كما أنها تحتاج إلى نمو ثقافة ديموقراطية داخل الحزب وفي المجتمع.
وجديرٌ بالتأكيد أيضا أن الممارسة الديموقراطية في الأحزاب، كما هي في الدول، مسألة نسبية. فهناك حد أدنى من المبادئ والمؤسسات والآليات التي يجب توافرها في الممارسة حتى تتصف بالديموقراطية. وبعد التأكد من وجود هذا الحد الأدنى يبقى الفرق واردا وأحياناً كبيراً بين الممارسات الديموقراطية من حيث درجة النضج والاستقرار ونوعية الديموقراطية وفرص الارتقاء بها.
وفي ختام هذه الملاحظات الأولية حول مفهوم الحزب الديمقراطي الذي ننشد وجوده ونسعى إلى التعرف على شروط ذلك، يجب أن لا تغيب عن بالنا، أن أزمة الأحزاب موجودة  في الدولة الديموقراطية العريقة أيضاً، ولا النقد الإيجابي والبنّاء في سياق الدعوة إلى إصلاح الأحزاب السياسية في الدول الديموقراطية.
وفي هذا الصدد هناك نوعان من النقد:
أولهما: النقد التاريخي الذي يقول بقانون الأوليجارشية الحديدي في الأحزاب، مثلما هو موجود في الدولة أيضا. أي استحالة قيام حزب ديموقراطي. وهذا النوع من النقد مثله مثل النقد الذي شكك في قيام ديموقراطية سياسية قبل قيام ديموقراطية اقتصادية واجتماعية. وهو نقد وارد وصحيح إلى حد كبير، وفي مجمله مفيد من حيث سعيه إلى التنبيه إلى خطورة السيطرة على الأحزاب من قبل قياداتها، بل وبيروقراطيتها، وكذلك التأكيد على ضرورة الارتقاء بالممارسة داخل الأحزاب وفي ما بينها. ويشير هذا النقد إلى أن الممارسة الديموقراطية على أرض الواقع تحتاج إلى توفير مصادر المشاركة في اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات العامة، إلى جانب الحق السياسي والقانوني الذي ينص على مشاركة الملزمين بتلك القرارات والخيارات العامة في اتخاذها.
ثانيهما: النقد المعاصر الموجه إلى ظاهرة تزايد وقوع أحزاب الدول الديموقراطية في أيدي بيروقراطية الأحزاب التي أصبحت تعتمد على مهنيي الانتخابات وصناعة الرأي العام من خلال توظيف العلاقات العامة. ويوجه النقد أيضاً إلى الأحزاب بسبب تزايد دور الشركات المتعدية الجنسية وإمبراطوريات المال والإعلام في دعمها والتأثير على توجهاتها. هذا إضافة إلى تزايد العوامل الخارجية وتدخل الدول ذات النفوذ في الحياة السياسية الوطنية. الأمر الذي أدى إلى ابتعاد الأحزاب السياسية بشكل عام، عن الاعتماد على أعضائها وصرف أنظارها عن ضرورة توسيع عضويتها والارتقاء بالممارسة الديموقراطية داخلها.


(باحث وكاتب قطري)      

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,296,763

عدد الزوار: 6,986,291

المتواجدون الآن: 66