دمشق تحذّر واشنطن: قادرون على التخريب وعلى السلام

تاريخ الإضافة الأربعاء 7 كانون الثاني 2009 - 8:17 م    عدد الزيارات 814    التعليقات 0

        

بقلم عبد الكريم ابو النصر      
"حذر مسؤولون سوريون بارزون شخصيات أميركية قريبة من الرئيس الجديد باراك اوباما من ان منطقة الشرق الاوسط تمر بمرحلة انتقالية بالغة الخطورة تشكل العملية العسكرية الاسرائيلية الكبرى ضد قطاع غزة احد مظاهرها. وشددوا على ان التهدئة في لبنان هشة وموقتة. واكدوا ان هذه المنطقة قد تتجه نحو مزيد من التأزم والانفجار الواسع او نحو الحل السلمي الشامل للنزاعات فيها وفقاً لما ستفعله الادارة الاميركية الجديدة وما ستتخذه من قرارات.
واكد المسؤولون السوريون ايضاً لهذه الشخصيات الاميركية معارضتهم تسوية النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي في معزل عن حل مشكلة الجولان ورفضهم انهاء دور "حزب الله" العسكري في لبنان ونزع سلاحه في هذه المرحلة، لكنهم شددوا على رغبتهم في التعاون مع الولايات المتحدة لمعالجة قضايا المنطقة على أساس ان ليس ثمة بديل من اميركا ودورها في الشرق الاوسط، وانه لن تستطيع اي دولة الحلول محل اميركا"..... هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية غربية وثيقة الاطلاع في باريس، واوضحت ان جهات عربية رسمية بارزة اكدت لدول كبرى ان نظام الرئيس بشار الأسد هو الذي طلب، وبالتفاهم التام مع القيادة الايرانية، من "حماس" تصعيد المواجهة العسكرية والصاروخية مع الاسرائيليين وانهاء التهدئة واحباط جهود مصر لتحقيق المصالحة الفلسطينية وتوحيد الموقف الفلسطيني التفاوضي، وذلك بهدف دفع ادارة اوباما الى اعطاء الاولوية للتفاوض مع سوريا وايران حول قضايا المنطقة.... وذكرت المصادر الغربية ذاتها ان المسؤولين السوريين حرصوا على "توضيح وتفسير" السياسة السورية لقريبين من اوباما، وشددوا على الأمور والمسائل الاساسية الآتية:
أولاً، ترى سوريا ان اميركا فقدت قدرتها على القيام بدور مؤثر وفاعل، وعلى معالجة الازمات في الشرق الاوسط بسبب السياسات الخاطئة التي تبنتها ادارة الرئيس جورج بوش، وبسبب اعتماد هذه الادارة استراتيجية المواجهة في التعامل مع عدد من الدول والاطراف، ولذلك لم يتم ايجاد حلول جذرية وحقيقية لأزمة العراق، وللنزاع العربي – الاسرائيلي، ولازمة لبنان، ولقضية البرنامج النووي الايراني. وفي مواجهة هذا الوضع المتأزم والخطر وغياب الدور الاميركي المؤثر والفاعل اتخذت القيادة السورية قراراً بالعمل على تهدئة الاوضاع وتخفيف حدة التأزم، وتلاقت في مسعاها هذا مع جهات اقليمية ودولية اخرى. وانعكس هذا التوجه السوري بشكل ايجابي على الساحة اللبنانية وعلى المسار السوري – الاسرائيلي. اذ تم احياء المفاوضات غير المباشرة بواسطة الراعي التركي، ورافقت ذلك تهدئة امنية موقتة بين "حماس" واسرائيل، وانهاء مشكلة الاسرى بين "حزب الله" والاسرائيليين وتحسّن نسبي للاوضاع الامنية في العراق. اما المشكلة النووية الايرانية فهي قضية ايرانية – دولية، وليست لاي جهة اقليمية قدرة على معالجتها. لكن ما جرى ويجري ليس كافياً اطلاقاً، اذ ان المنطقة لا تزال في حال من الخطر الشديد والاوضاع في مختلف الساحات الاقليمية هشة وقابلة للتأزم مجدداً وللانفجار كما نرى في غزة.
ثانياً، لن تقبل سوريا ان يتم قفل ملف النزاع العربي – الاسرائيلي من خلال ايجاد تسوية ما للمشكلة الفلسطينية ومن دون معالجة مشكلة الجولان المحتل. بل ان المسؤولين السوريين سيتصدون لمثل هذا التوجه وسيحاربونه. وترى سوريا ان الحل الشامل والحقيقي والجدي للازمات والمشكلات الاقليمية المختلفة يتطلب سياسة اميركية جديدة مختلفة جذرياً عن سياسة ادارة بوش. ونظام الاسد مستعد للمشاركة في ايجاد هذا الحل الشامل لكن ذلك يتطلب تخلي الولايات المتحدة عن اعتماد سياسة المواجهة مع سوريا وعن اتهامها بالمسؤولية عما يجري هنا وهناك. واذا ما حدث تحول ايجابي في موقف واشنطن ازاء دمشق فان القيادة السورية ستشارك حينذاك في ايجاد تسويات حقيقية قابلة للحياة والاستمرار لازمات المنطقة الحادة بما يؤمن المصالح الحيوية للولايات المتحدة وللاطراف المعنيين.
شروط التعاون مع أميركا
ثالثاً، لن تتحول المفاوضات غير المباشرة بين سوريا واسرائيل عبر الوسيط التركي تلقائياً مفاوضات مباشرة، بل ان التفاوض المباشر يتطلب المشاركة الاميركية المباشرة والفاعلة في هذه العملية وموافقة الدولة العبرية على قبول مبدأ الانسحاب الكامل من الجولان المحتل وتنفيذه الى حدود 4 حزيران 1967 في مقابل السلام الكامل بين البلدين. وترفض القيادة السورية التفاوض مباشرة ورسمياً مع اسرائيل قبل تولي ادارة اوباما مهماتها، وقبل موافقتها على المشاركة في هذه المفاوضات، وتشكيل حكومة اسرائيلية جديدة راغبة في السلام. ويرى نظام الاسد ان ما شجع المسؤولين الاسرائيليين على التفاوض بصورة غير مباشرة مع سوريا هو انهم يحتاجون الى التعاون مع دول مجاورة قوية قادرة على السيطرة على مسار الاوضاع وعلى اتخاذ القرارات الصعبة وتنفيذها، وراغبة ايضاً في تسوية النزاعات سلمياً معهم. اما السوريون فان ما يشجعهم على التفاوض مع اسرائيل هو تصميمهم على استعادة الجولان لأن ذلك يشكل اولوية بالنسبة اليهم، وهو رغبتهم في اظهار الاستعداد لمعالجة النزاعات بالوسائل السلمية والديبلوماسية. لكن القيادة السورية لن تدفع مسبقاً ثمن السلام مع اسرائيل، ولن تقوم باي اعمال او خطوات "استعراضية" او مبادرات انفتاحية كما يريد الاسرائيليون قبل ان تتأكد من وجود عملية سلام حقيقية بين البلدين تقودها اميركا وتقوم على مبدأ الارض في مقابل السلام وقبل حدوث تقدم جوهري فيها. ولن تقبل القيادة السورية اجراء مفاوضات مباشرة وجدية مع اسرائيل قبل ان تتأكد من نتيجة هذه المفاوضات ومن انها ستعيد اليها الجولان بالكامل.
رابعاً، سوريا طورت وعمّقت تحالفها مع ايران لأنها تعرضت لتهديدات وضغوط جدية كبيرة من جانب الولايات المتحدة ودول اخرى. فحين تواجه سوريا التهديدات تفكر بايران، وحين تكون الاجواء ملائمة للحلول السلمية تفكر بتركيا. وهذا التحالف مع ايران ليس عسكرياً، وسوريا لن تتخلى عنه، لكن طبيعة هذا التحالف واهدافه ستتبدل على نحو جذري وجوهري اذا ما اتجهت المنطقة نحو السلام الشامل الحقيقي، وتم توقيع اتفاق سلام سوري – اسرائيلي. وسوريا تعيش الآن في مرحلة انتقالية، اذ ليس واضحاً تماماً كيف ستتطور الاوضاع في الشرق الأوسط خلال الاسابيع او الاشهر المقبلة. لكن الأمر الأكيد، بالنسبة الى دمشق، هو انه ليس ممكناً معالجة قضايا المنطقة ومشاكلها المختلفة، المترابطة بعضها ببعض الى حدّ كبير، من دون الولايات المتحدة ومن دون التعاون الجدي معها.
ودمشق جاهزة للتعاون مع واشنطن في مختلف الساحات والمجالات اذا كانت ادارة اوباما مستعدة فعلاً للتجاوب مع هذا الانفتاح السوري عليها. لكن السوريين يرفضون التعاون مع الأميركيين، سواء في العراق او فلسطين او اي ساحة اخرى ما دامت الادارة الاميركية تهدد النظام السوري او تتحرك ضده، او تشن غارات على اراضيه، او تشجع اسرائيل على ذلك، او تستخدم الساحة العراقية كمنطلق لضرب سوريا.
خامساً، سوريا مستعدة للتعاون مع سائر الدول الغربية من أجل تأمين مصالحها وحقوقها المشروعة وتسوية مشكلات المنطقة، وهي مرتاحة الى تعاونها مع فرنسا وعلاقاتها الجديدة معها وخصوصاً بعد محادثات الرئيس الأسد مع الرئيس نيكولا ساركوزي في باريس ودمشق والتي تناولت مختلف القضايا. لكن التعاون السوري – الاميركي يبقى الأساس بالنسبة الى نظام الأسد. وهذا التعاون توقف فعلاً بعد غزو العراق والتطورات المختلفة التي شهدها لبنان عام 2004. والقيادة السورية على اقتناع بانه ليس ثمة بديل من اميركا. وان اي دولة اخرى لن تستطيع ان تحلّ محل اميركا وان تقوم بالادوار الضرورية المطلوبة لمعالجة قضايا الشرق الاوسط المختلفة وللتأثير على مسار الاحداث، سلباً أو ايجاباً، في منطقتنا وفي الساحة الدولية. وحين يقترح الأسد وضع عملية التفاوض بين سوريا واسرائيل تحت الرعاية الأميركية – الفرنسية، فانه يدرك تماماً ان اميركا هي التي ستقوم، دون سواها بالدور الاساسي والمؤثر في هذه العملية، وانها هي التي تستطيع، اكثر من اي دولة اخرى، تأمين الظروف والعوامل الملائمة لنجاح هذه العملية والتوصل الى اتفاق سلام سوري – اسرائيلي. ويمكن فرنسا ان تقوم بدور ما بعد التوصل الى اتفاق سلام سوري اسرائيلي.
مصير سلاح "حزب الله"
سادساً، تنوي سوريا ابقاء كل الخيارات المتاحة لها والاحتفاظ بكل اوراقها الاقليمية المتمثلة خصوصاً بعلاقاتها الوثيقة مع ايران و"حزب الله" و"حماس" وقوى عراقية مختلفة، في هذه المرحلة الانتقالية، وهي لذلك لن تبدل طبيعة علاقاتها مع هذه الاطراف قبل ان تتضح الصورة تماماً في المنطقة، وقبل ان يتأكد السوريون من وجود عملية سلمية جدية مدعومة اميركياً، ودولياً لتسوية الأزمات الاقليمية فعلياً وجدياً ويكون لسوريا دور اساسي فيها. ومن الضروري ان يترافق انطلاق هذه العملية السلمية مع اتخاذ اجراءات محددة لبناء الثقة مجدداً بين سوريا واميركا بعد سنوات من المواجهة. وضمن هذا الاطار يرى المسؤولون السوريون ان من الضروري تأجيل معالجة مشكلة سلاح "حزب الله" الى مرحلة لاحقة وتجنب التصدي لها حالياً او في مستقبل قريب، اذ يجب ان يسبق ذلك بناء الدولة، وتقوية الجيش، وتحسين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان. ووفقاً للمسؤولين السوريين فانهم سيتعاونون مع السلطة اللبنانية لتسوية مشكلة سلاح "حزب الله" ولدمج عناصر هذا الحزب في الجيش اللبناني، حين تتخذ حكومة وحدة وطنية قراراً في هذا الشأن وفي الوقت الملائم، والافضل ان يتم ذلك في مرحلة لاحقة وبعد التوصل الى اتفاق سلام بين سوريا واسرائيل.
سابعاً، يرى نظام الأسد ان الخطر الأكبر الذي يهدد سوريا الآن وفي المرحلة المقبلة مصدره العراق وليس لبنان. فالخطر الأكبر، بالنسبة الى نظام الأسد، هو تحول العراق دولة طائفية اتحادية غير مركزية ضعيفة لأن ذلك يشكل تهديداً مباشراً لسوريا كدولة علمانية، وكتركيبة سياسية – اجتماعية – دينية. وتطور الاوضاع في العراق يشكل التحدي الاستراتيجي الكبير الذي تواجهه سوريا حالياً وستواجهه في المستقبل.
ثامنا، يرى المسؤولون السوريون ان الاتهام الاميركي الموجه اليهم بانهم يعملون على زعزعة الامن والاستقرار في المنطقة يجب ان يشكل منطلقاً للتعاون السوري – الاميركي وليس للمواجهة المستمرة بين البلدين. فاذا كان النظام السوري يمتلك القدرة على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة فهذا يعني ايضا انه يمتلك القدرة على السلام وعلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة..... لكن ذلك يتطلب قيام تعاون جدي بين سوريا من جهة، واميركا ودول اخرى معنية بمسار الاوضاع من جهة اخرى.
تاسعاً، سوريا ليست راغبة في التفاوض مع اسرائيل من اجل التفاوض بل من أجل تحقيق السلام، وهي مستعدة لاتخاذ كل القرارات والخطوات اللازمة لانجاز السلام مع الدولة العبرية. ذلك ان سوريا تحقق مكاسب هائلة من  انجاز السلام سواء على الصعيد الاقتصادي او المالي، او الاستثماري، او السياسي والديبلوماسي، او الامني والاستراتيجي، او على صعيد تحسن علاقاتها مع اميركا والغرب ومع سائر الدول العربية. ولكن شرط تحقيق هذا السلام هو تأمين المطالب والحقوق السورية المشروعة والحيوية وخصوصاً على صعيد استعادة الجولان بالكامل..... ووفقاً لديبلوماسي اوروبي مطلع على هذه الاتصالات السورية – الاميركية "فان نظام الأسد يريد ان يحقق في الساحة الاميركية اختراقاً سياسياً وديبلوماسياً، ويأمل في ان يقبض من الادارة الاميركية الجديدة ثمن انفتاحه السياسي على اسرائيل، وثمن "مرونته" ومشاركته في تهدئة الاوضاع في بعض الساحات الاقليمية كلبنان. ولذلك حرص نظام الأسد على أن يبعث الى جهات اميركية مختلفة بهذه الرسائل التوضيحية المتضمنة شرحاً لتوجهاته وسياساته ومطالبه. لكن هذه المهمة السورية ليست سهلة ولا مضمونة النتائج كما يعتقد المسؤولون في دمشق".

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,077,019

عدد الزوار: 6,751,661

المتواجدون الآن: 100