حماية لبنان: بين القدرات الذاتية والقرارات الدولية

تاريخ الإضافة الأربعاء 7 كانون الثاني 2009 - 8:13 م    عدد الزيارات 709    التعليقات 0

        

 نواف الموسوي / مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله
مداخلة في المنتدى الذي نظمته الجامعة الأنطونية بمناسبة الذكرى الثلاثين لليونيفيل، في ١٩/١٢/٢٠٠٨

أثناء حرب تموز ٢٠٠٦ جرت محاولة لإلغاء قوات الطوارئ الدولية واستبدالها بقوات ضاربة متعددة الجنسيات تكلّف بانجاز ما عجز الإسرائيليون عن إنجازه. (المحاولة هي مشروع القرار الأميركي ـ الفرنسي). غير أن القتال المشهود الذي خاضه المقاومون وكبّدوا فيه القوات الإسرائيلية المهاجمة هزيمة نكراء في وادي الحجير والغندورية، أعاد بعث اليونيفيل من حالة الاحتضار وأعادها »معززة«. لو نجح الهجوم الإسرائيلي لكانت اليونيفيل في خبر كان. صدر القرار ١٧٠١ الذي يعتبر معظم المسؤولين الإسرائيليين أنه لا يساوي الحبر الذي كتب به والورقة التي كتب عليها، في حين أن الجانب اللبناني قد وافق عليه. تؤكد اليونيفيل في التقارير التي تصدرها التزام الجانب اللبناني بالقرار، بينما تسجّل أن الجانب »الإسرائيلي«، قد خرق هذا القرار أكثر من ثمانية آلاف مرة، ويستمر الإسرائيليون أيضاً في احتلال النصف الشمالي اللبناني من قرية الغجر ولازالوا يماطلون في إعطاء جواب على عرض قدمته الأمم المتحدة ويقضي بانسحاب إسرائيلي من هذه المنطقة ووضعها تحت الانتداب الأممي.
حتى الآن ورغم مضي أكثر من ألف يوم لازال الاحتلال قائماً ولم نرَ نجاحاً لا للجهود الدبلوماسية ولا للقرارات الدولية. يحاول الإسرائيليون ربط خروقاتهم العينية والملموسة بمزاعم عن تسريب سلاح لم تؤكدها التقارير الدولية التي أكدت الخروقات الإسرائيلية. ويحاولون ربط الانسحاب من الغجر بجر لبنان إلى مفاوضات لإبرام ما يسمى »اتفاقية عدم اعتداء«. إن هذه المناورة الإسرائيلية تهدف إلى:
- تزييف قضية الصراع القائم، فبدلاً من أن تقدم على حقيقتها وهي أنها قضية حق لبنان في تحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي، تقدم على أنها قضية تحقيق متطلبات الأمن »الإسرائيلي« التي تتوسع إلى الحد الذي يضيّع الحق اللبناني.
- فرض المساواة بين الموقع اللبناني والموقع الإسرائيلي على الصعيد القانوني؛ فيتحولان إلى متنازعين بدلاً من كون الأول معتدى عليه وكون الثاني معتديا.
- تعليق الحق اللبناني في تحرير أرضه على عملية تفاوضية يطول أمدها وتتشعب موضوعاتها، وإفقاد لبنان الإطار القانوني المحلي والدولي الذي يكرس حقه غير القابل للتنازع.
- تحويل القوات الدولية من عنصر مساعد للدولة اللبنانية على بسط سيادتها إلى وكيل للمصالح الإسرائيلية، وهو ما فشلت إسرائيل في تحقيقه حتى الآن؛ أو وسيط تفاوضي؛ أو بديل مؤقت عن السلطات اللبنانية لا يُعلم لميقاته أمد.
لقد جرّب لبنان التفاوض حول استرجاع أراضيه، كما رأى تجارب الآخرين، وكل التجارب قادت إلى الفشل المتمادي والمتطاول، أو إلى ما هو أسوأ من الاحتلال؛ أي استبدال الاحتلال الجغرافي بالهيمنة السياسية.
خلاصة: يتبيّن مما تقدم ، وكان من الضروري جداً تقديمه:
أولاً: إن ثمة مطامع إسرائيلية في لبنان تحاول الدعاية الإسرائيلية تمويهها بمتطلبات الأمن.
ثانياً: إن لبنان كان ولا يزال عرضة للعدوان »الإسرائيلي«.
ثالثاً: لم تلتزم »إسرائيل« باتفاق الهدنة منذ إبرامه، ولم يحمِ هذا الاتفاق سكان المنطقة الحدودية.
رابعاً: إن لبنان كاد أن يفقد جزءاً كبيراً من أراضيه لولا المقاومة.
خامساً: لم تستطع القرارات الدولية استعادة الأراضي المحتلة أو حماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية.
سادساً: إن قوات الطوارئ الدولية التي تحتفل في هذه المناسبة بذكرى مرور ثلاثين عاماً على تأسيسها لم تتمكن من إنجاز مهامها. وعلى سبيل الطرفة، وبما أننا في صرح جامعي، فإن الطالب يحتفى به حين تخرّجه، أما إن كرر صفه لثلاثين عاماً دراسياً، فإن السؤال سيطرح بقوة حول القدرة التعليمية للجامعة، أو القدرة التعلّمية للطالب. وإذا كان الطالب من المعروفين بالجد والاجتهاد فإن المشكلة، إذن، تقع في الجامعة، وهي هنا الأمم المتحدة التي يجعلها الانحياز الأميركي المطلق إلى الجانب »الإسرائيلي« عاجزة عن القيام بواجباتها المدرسية.  سابعاً: إن السلطات اللبنانية التي اتسمت بالفساد والإهمال، والتي عجزت عن إقامة الدولة الحديثة، فشلت في حماية لبنان كما فشلت دائماً في حماية المنطقة الحدودية. لم يشهد أهالي تلك المنطقة أمناً ولا استقراراً إلا بين عامي ٢٠٠٠ و .٢٠٠٦ وعلى الرغم من حجم التدمير الهائل الذي تسببت به الوحشية الإسرائيلية، فإن القرى الحدودية الآن، قد تضاعف عدد سكانها مرة ونصف أو مرتين بأكثر مما كان عليه في تموز .٢٠٠٦ ولن ينسى العالم مشهد الجنوبيين العائدين إلى قراهم التي ثبت فيها المقاومون بكل شجاعة وبسالة، مؤكدين تعلقهم بأرضهم واطمئنانهم إلى حماية المقاومة لعودتهم وأمنهم. ولا بد من التذكير أن حرب تموز ٢٠٠٦ كانت أعنف حرب يشهدها لبنان، لكنها الحرب الوحيدة التي لم تخلّف مشكلة مهجّرين، كما مشكلة المهجرين التي لم تنته رغم مضي ما يزيد على ربع قرن على حدوثها.
ثامناً: لا جدال في حاجة لبنان إلى الحماية من العدوان الإسرائيلي، وقد نصّ اتفاق الطائف على ضرورة مواجهته، كما نص على إزالة الاحتلال الإسرائيلي باتخاذ الإجراءات كافة. بل إن لبنان، كأي بلد، يحتاج إلى حماية، حتى لو كان بلداً بلا أعداء، أو يعتمد مبدأ الحياد الإيجابي. في الحرب العالمية الثانية كانت كل من فنلندا وسويسرا بلداً محايداً، لكن سويسرا تجنّبت الاحتلال النازي لأنها كانت تتمتع بقدرات دفاعية كافية.
إذن، القدرات الذاتية هي المعتمد الأساسي والأول إن لم يكن الوحيد أحياناً في تأمين الحماية لأي وطن يرغب في أن يكون سيداً حراً مستقلاً آمناً يحافظ على سلامة أراضيه وسكانه.
لقد كان تصورنا للقدرات الذاتية أنها قدرات الدولة اللبنانية بما يتضمنه مفهوم الدولة الذي يحصر خطأً في مفهوم السلطة. إن مفهوم الدولة يتضمن السلطة، لكنه يتضمن أولاً الشعب. من غير الصحيح إطلاقاً افتراض التناقض بين الشعب والدولة. نعم، تقع أحياناً ثنائية بين السلطة والشعب، مع أن المفروض أن تنبثق السلطة من الإرادة الشعبية، لكن هذه الثنائية تكون تعبيراً عن أزمة في الحكم والشرعية والمشروعية. غير أن أي تحرك شعبي أو فعالية شعبية تقع دائماً في إطار الدولة، ولا يمكن وصفها بأنها خارج الدولة. قد تكون أحياناً خارج السلطة، بل لا بد أحياناً أن تكون خارج السلطة. تكون المعارضة عادة في المجتمعات الآحادية، لا التعددية، خارج السلطة، ولا تكون بطبيعة الحال، خارج الدولة. وفي الدول الحرة يتسع هامش خارج السلطة فتنشط المبادرات الخاصة، جماعية كانت أو فردية.
لكن هذه المبادرات ليست خارج الدولة. يسمع أحياناً في هذه الآونة كلام عن الدولة، يشبه الكلام عن الدولة الآحادية الموجهة. قد يقال إن الآحادية والحصرية لا بد منها في مجال الأمن والدفاع، لا جدال، من حيث المبدأ، في هذين المجالين، لكن المبادئ الأمنية والعسكرية ليست مبادئ صماء أو صلدة أو تنهج وفق معيار منبتّ عقيم لا سلف له ولا خلف، بل هي تتكيف وفق الحاجات والتجارب والاختبارات، لتؤدي الغرض منها، وهو تأمين الحماية؛ الحماية من الاختراقات الأمنية والاعتداءات العسكرية.
إن كل دولة تخوض تجربة قتالية أو مواجهة أمنية تستخلص العبر وتستفيد منها، فتبقي على ما نجح وتطوره، وتتجاوز ما أخفق وتستبدله أو تغيّره بما يمكّنها من النجاح. ونحن نرى كيف أن الولايات المتحدة وإسرائيل، بعد حربيهما على العراق ولبنان، تعيدان النظر في الاستراتيجيات والتكتيكات، ولا تجمدان عند نظريات هي فرضيات يحكم على صحتها الاختبار، وليست عقائد أو دوغماءات تقدَّم القرابين على مذبحها المقدّس.
من هنا، ونحن نضع نصب أعيننا الهدف الأساسي وهو حماية لبنان، قبل أي شيء آخر، فإن ما نفكر فيه هو كيف يمكن تطوير قدراته الذاتية بما يؤمّن هذه الحماية. لقد قدّمت المقاومة تجربة ناجحة في التحرير والدفاع، في مقابل عجز عن بناء مؤسسات الدولة أو تحويلها إلى مزرعة أو شركة مستأجرة من دولة أجنبية تقيم عليها وكيلاً محلياً.
إن اللبنانيين معنيون بالبحث عن كيفية تجاوز إخفاقات الماضي في إنشاء دولة تحمي وطناً لأبنائه جميعاً، دولة قادرة على الدفاع عن أرضها وشعبها، ودولة ذات سلطة عادلة في التعامل مع من أعطاها وكالة إدارة الشأن العام، ومن لم يعطها أيضاً هذه الوكالة؛ لأن السلطة حين تشغل سدتها تصبح مسؤولة عن الجميع أمام الجميع.
وفي بلد متنوع، مثل لبنان، لا تصح، دائماً، النظريات المستلة من واقع بلاد آحادية. لعل لبنان، ودون توهّم، معني بالتوصل إلى صيغه الخاصة بالأمن والدفاع مستقاة من خبرته وتجربته... وهذا ما يمكن أن يتصدى لإنجازه الحوار الوطني الذي نقدّم على طاولته تجربتنا وخبرتنا التي لا تحجبها مقولات خائبة.
لقد شدّدنا على أن القدرات الذاتية هي من يحمي لبنان، وهذه القدرات متنوعة ومتعددة ومن ضمنها المقاومة.
ويجري كثيراً تغييب أن التنسيق كان قائماً بين السلطات اللبنانية. من رئاسة الجمهورية إلى المجلس النيابي ومجلس الوزراء، وبين المقاومة، منذ إعادة إحياء المؤسسات الدستورية مع عام  ١٩٩٠.
كما أن التنسيق بين المقاومة والجيش كان فعالاً على مدى ثمانية عشر عاماً. ولقد كانت هذه الصيغة فعالة في تحقيق أهداف التحرير والدفاع ولا زالت ناجعة ولم يشبها سوى أن ثمة فريقاً داخلياً غيّر وجهته بحيث بات في موقع يناوئ المقاومة... إن الاعتراض على صيغة التنسيق بين الجيش والمقاومة لا ينهض على أي أساس يتعلق بالمصالح الوطنية اللبنانية. وإن جرى استخدام عبارات حصرية الدولة وما إلى ذلك.
إن نزع سلاح المقاومة كان هدفاً معلناً للعدو الإسرائيلي، ويعمل حلفاؤه الدوليون على تنفيذه. أما المصلحة الوطنية اللبنانية فهي في حماية لبنان من العدوان »الإسرائيلي«. وهذه الحماية تتحقق بفعل صيغة التنسيق بين الجيش والمقاومة، ومن الغريب أن يجري التفتيش عن صيغ لم تخضع للاختبار، أو غير ملائمة، مع وجود صيغة فعالة وناجعة.... لقد كانت هذه هي الصيغة المعتمدة، حين تمكن لبنان من استعادة معظم أراضيه المحتلة ومن الدفاع عن نفسه. ولا يمكن تبرير معارضتها بدعوى التقابل بين الدولة والمقاومة، لأن الدولة مفهوم عام يجمع فيه الفعاليات الشعبية والرسمية كلها.... إن صيغة التنسيق لم تحل دون بناء مقاومة قوية، ولا بناء جيش قوي، إن من يعمل على تفكيك هذه الصيغة يقصد إضعاف لبنان وإفقاده مناعته وإرباكه وإشغاله عن التصدي للعدوان الإسرائيلي عليه.
لقد كانت المصلحة الوطنية تقتضي بالعمل على تعزيز التنسيق إن احتاج إلى تعزيز، لا أن يعمد البعض، ولأغراض فرضتها تحالفاته الخارجية، إلى محاولة المس بهذه الصيغة التي خدمت قضية لبنان، في حين أن الرهانات الخارجية في الثمانينات ومحاولة زج الجيش في مواجهة أهله قد جرت على لبنان الويلات والكوارث.... عندما استقر منطق مواجهة العدوان الإسرائيلي عبر التنسيق بين المقاومة والجيش، بدأ إحياء الوحدة الوطنية والمؤسسات الرسمية. عندما غيّب لبنان عن مواجهة عدوه، تصدعت وحدته الوطنية التي لا يحفظها إلا توحد أبنائه في الجيش والمقاومة ضد عدوهم.... وحين تصدعت الوحدة، تداعت مؤسسات الدولة الرسمية وسلطاتها. إن التراخي في حماية المناطق الحدودية أوصل العدو الإسرائيلي إلى العاصمة، وعندما بدأت مقاومة العدو تحصنت الحدود التي لا يحصنها إلا قوة أهلها الذين تتكامل قدراتهم الذاتية في التنسيق بين الجيش والمقاومة... إن كل صيغة جديدة تحتاج إلى اختبار لتقدير مدى نجاعتها، أما صيغة التنسيق فقد كرس نجاحاتها، فهل يستبدل ما هو فعال وناجع، بما هو مجهول؟ وهل لدى لبنان القدرة على اختبار صيغ قد تكون مهددة؟ .... وينبغي القول أن صيغة التنسيق كانت تتطور دائماً، وهي قابلة بعد للتطوير بما يؤمن الانخراط الوطني الشامل في مقاومة العدوان »الإسرائيلي«.
خاتمة:  لا يغيب عن هذه المقاربة الصراعات الإقليمية والدولية التي دارت في لبنان وحوله ولا زالت تدور. لكن هذه المقاربة آلت على نفسها أن تركّز على ما هو جوهري للبنان ألا وهو الحماية؛ لأن كثيراً من المقاربات تاهت في التقصّي والتتبّع، حتى غابت عن وعي الحقيقة، حقيقة كيف نحمي لبنان: أباتفاقية هدنة لم تعمّر ساعات؟ أبقرارات دولية لا تحمي بنودها ومندرجاتها ؟ أبضمانات دولية لا تغني عن جوع وشفاء على ما نراه في حصار الشعب الفلسطيني؟ أبتحالفات دولية يتحول معها لبنان إلى سلعة في سوق النخاسة؟
إنها القدرات الذاتية، قدرات الدولة العادلة القوية، العادلة سلطتها، القوية لشعبها وبشعبها.
ولا يفوت أحداّ أنه لولا المقاومة التي حرّرت الأرض المحتلة، لما استعاد لبنان أهم ركنين من أركان الدولة: الأرض والشعب. إن سلطة بلا أرض هي سلطة افتراضية متخيلة.
ولولا المقاومة التي دافعت عن الأرض والشعب لكانت السلطة خبراً لفعل ماضٍ أو أثراً لم تعُد له عين.
ومن البديهي بعد تأسيس القدرات الذاتية أن يبحث عن التحالفات التي تتناسب مع الهدف والقدرات.
وفي هذا المجال، فإن العلاقات مع الإدارة الأميركية، وبالنظر إلى اللاتكافؤ في القوى، هي ـ حين الاستغراق فيها، ودون موازنتها بعلاقات مباينة ـ علاقات تبعية وخضوع، وهي، بالنظر إلى الانحياز الأميركي المطلق إلى إسرائيل، علاقات لا تصبّ في خدمة القضايا الوطنية اللبنانية.
ولذا، فإن لبنان معني بتطوير علاقاته مع الدول التي تدعم قضية تحرير أرضه والدفاع عنه، كما أنه معني بتنويع علاقاته على الصعيد الدولي بما يحول دون التفرد الأميركي في المنطقة.
إذن قدّم اللبنانيون، لاسيما المقاومة، تضحيات جساما، ما أضفى القداسة على كل نقطة دم سفكت وكل حبة تراب استعيدت أو ينبغي أن تستعاد. لقد كتب الشهداء بدمائهم ، والصامدون بآلامهم، أن لبنان بلد يستحقّ الحياة العزيزة الكريمة الحرة الآمنة. وهكذا سيكون إن شاء الله.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,537,213

عدد الزوار: 6,899,758

المتواجدون الآن: 93