بديلاً من "رفض التوطين"...

تاريخ الإضافة الخميس 4 كانون الأول 2008 - 8:30 ص    عدد الزيارات 863    التعليقات 0

        

زياد الصائغ     
(عضو اللجنة الحكومية اللبنانية للحوار اللبناني - الفلسطيني)

بقدر ما يجب الاستعداد ديبلوماسياً لخوض معركة "حق العودة" بمنهجية علمية، ورؤية سياسية، وتفاعل مع مواقع القرار، بات ملحاً في لبنان تحديداً إيقاف استعراضات التهويل بـ"التوطين" والتخويف والتخوين بغية استثارة غرائز  هنا وهناك، منها ما يساهم في تكريس معادلات قوى، ومنها ما يرسّخ مواقع نفوذ، وفي الحالتين تجويف لـ"حق العودة".
لست في معرض الاسترسال هنا في قراءة حقوقية لجوهرية وإلحاح وأحقية إعمال الحقوق الانسانية للاجئين الفلسطينيين وأثرها في دعم حق العودة وتكريسها لرؤية سيادية عصرية، بقدر ما سألتزم، وبمحاولة متأنية ومقتضبة، الاضاءة على مسائل ثلاث ينبغي البناء عليها في هذا السياق، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالذهنية السائدة في بعض الاوساط اللبنانية، كما بعض الاوساط الفلسطينية، ومن الواجب ترميمها وتنقيتها إذ أمست في جذورها تستنبط، إما عنصريات أو توهمات، نعتقد جازمين بأننا لبنانيين وإخوة فلسطينيين قد تجاوزناها معاً، منذ العام 2005، حيث كان "إعلان بيروت" تمهيداً، تبعه تشكيل لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني بمبادرة من دولة رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة ليرئسها السفير خليل مكاوي، وتضع في صلب أولوياتها اربع مسائل، وافقت عليها من ثم هيئة الحوار الوطني عام 2006، وباركها فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في خطاب القسم، عنيتُ تأمين حياة كريمة للآجئين الفلسطينيين حتى عودتهم الى دولتهم فلسطين بحسب قراري الشرعية الدولية 194 و181 وبنود المبادرة العربية للسلام، ونزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وضبطه وتنظيمه داخل المخيمات تحت سيادة الدولة اللبنانية كمرحلة اولى، واستعادة التمثيل الديبلوماسي بين لبنان وفلسطين، ليلاقي كل هذه المبادرات "إعلان فلسطين في لبنان" بجرأة لافتة من منظمة التحرير الفلسطينية، وتحديداً ممثلها في لبنان السفير عباس زكي، فيليها اعتذار لـ44 شخصية مسيحية لبنانية، ولقاء "المصارحة والمصالحة" بين أركان الجبهة اللبنانية والحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، برؤية ثاقبة وتجرؤية، الى غيرها من المبادرات الجريئة، كل ذلك ساهم في إطلاق مرحلة جديدة، لم توقفها معارك مخيّم نهر البارد التي خاضها الجيش اللبناني ضد ارهاب مفبرك، وانتصرت فيها الشرعيتان اللبنانية والفلسطينية معاً، وما اعادة الإعمار الآتية سوى تأكيد على تسيّد الشرعية والقانون في وجه الاستباحة المكشوفة الاهداف. لكن على الدرب عثرات وحسابات كثيرة نحتاج مقاربتها بهدوء، وهي كما أسلفت كامنة في مسائل ثلاث:


1 - المصطلحات - الالتباسات

ليست الحقوق الانسانية لا "توطيناً مقنّعاً" ولا "محاولة توطين" بل هي حق مكرّس. فيكفينا التباسات او استثمارات في البازارات الضيقة. وليس السلاح قادراً على إنفاذ هذه الحقوق. فكل حديث عن مقايضة بين "الحقوق" و"السلاح" بما في ذلك "حق العودة" مشبوه ومغرض، بل حتى مفتن. وليس عدم إقرار هذه الحقوق تضييقاً استراتيجياً لتنظيم هجرة اللاجئين الفلسطينيين من لبنان، بل هو دعوة صريحة للارهاب ليستثمر في فقر الناس وعوزهم.
آن أوان تفكيك الالتباسات في كل المصطلحات، واعتماد خطاب سياسي واعلامي عقلاني نميّز فيه بين السيادي والانساني. السيادة وحدها للشرعية اللبنانية، والحياة الكريمة حق حتى العودة. وعلى المجتمع الدولي تحمّل مسؤولياته في هذا السباق.

2 - لبنان - حقوق الانسان

لبنان عضو مؤسس لمنظمة الأمم المتحدة ولجامعة الدول العربية. وهو رائد في صياغة شرعة حقوق الانسان. استذكر في هذا السياق كبيرنا شارل مالك. الرؤية الحقوقية تؤسس لواقع ميداني اجتماعي اقتصادي. إسألوا أي لبناني هل هو يقبل بالواقع المأسوي للمخيمات، بدءاً بالبنى التحتية وصولاً الى علب الحليب للاطفال، والحاجات الاستشافئية؟ المجتمع الدولي مسؤول عن تزخيم خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والدولة اللبنانية تسعى لحث المجتمع الدولي على دعم الوكالة، لكن لبنان مدعوّ ايضاً الى احتضان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين، وليست هذه بأي شكل من الاشكال "توطيناً بالمواطنة"، فهم لاجئون قسريون مفهوم. لكن لهم الحق بحياة تحترم حقوق الانسان، والاّ يُمسي لبنان في موضع الشبهة والاتهام، ولنطلّع على تقارير وتقارير فيها بقع سوداء.
حسم السيادي بالشرعية لا بد من أن يترافق وحسم الانساني على قاعدة حقوقية بمنأى عن اي استثارات لمكاسب شعبوية ضيقة.

3 - "حق العودة": ديبلوماسية الرؤية

بدل البكاء في تعنيف المؤامرات، دعونا ننتقل من هامش التاريخ الى متنه. "حق العودة" يحتاج الى تكوين كتل حرجة في عواصم القرار. الثورات المنبرية، وحتى الميدانية، ربما تفيد في خانة تسجيل المواقف، لكن ذلك لا يكفي. الأهم أن نعدّ لبنانيين وفلسطينيين معاً ملفّنا بدقة، ونعي ما يفاوض عليه العدو مواقع القرار نفسها، لنتمكن من خلخلة سيناريواته. ثم دعونا نسأل هل يستطيع جائع ومظلوم أن يفكّر بحق العودة؟ اليس الجوع والظلم حافز لعنة وتطلّع الى هجرة نهائية وحتى الى حزام ناسف؟ التزامنا اللبناني بقضية عدالة كالقضية الفلسطينية يحتّم علينا استبدال مصطلح "رفض التوطين" باستراتيجية "دعم حق العودة"، بعد الاصرار على تحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته، فنمسي الاقوى في تدوين مضبطة اتهام بتجويفه للعودة، بدل السماح له باتهامنا بأننا ننتهك حقوق الانسان، حل زمن تغيير المعادلات بحنكة وصلابة دون عشوائية طائشة في عرض العضلات.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,188,758

عدد الزوار: 6,939,655

المتواجدون الآن: 121