لبنان وأحد الخيارين... حوار الحضارات أو صدامها!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 2 كانون الأول 2008 - 6:50 ص    عدد الزيارات 881    التعليقات 0

        

بهاء أبو كروم * 

لم يستعر النقاش حول مؤتمر حوار الأديان الذي رعاه الملك عبدالله بن عبدالعزيز مؤخراً في مكان كما استعر في لبنان على هذه الخلفية. فلبنان الذي يحوي نماذج عن الأديان والمذاهب والمحاور السياسية الدولية والإقليمية كافة كان مسرحاً لنقاش جرى على هامش انعقاد مؤتمر نيويورك أثاره «حزب الله» وحلفاء سورية وتعرض الراعي السعودي للمؤتمر خلاله لكثير من النقد على خلفية تنظيمه المؤتمر وعلى خلفية مشاركة شمعون بيريز فيه.
إذا اعتمدنا على مقاربات عدة أو بالأحرى مقارنات يمكن عندها أن نعتقد أن المستهدف من كل ذلك كان موضوع حوار الحضارات بحد ذاته وليس أي شيء آخر، وكأن الأمر يتعلق بضرورة الإبقاء على منطق الاستقطاب الدولي أو الإقليمي وتعزيز حالة الانطلاق من المسرح اللبناني لتحقيق ذلك وعدم السماح للسعودية بأن تلعب دوراً ريادياً في إدارة الحوار الإيجابي في المنطقة. طبعاً المقارنة البسيطة التي تؤدي إلى هذا الاستنتاج يمكن أن تأتي من بين مشاهدات  متعددة. ففي القمة المتوسطية التي انعقدت في باريس جمعت طاولة واحدة الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ولم تستثر حينها حفيظة أحد من ممثلي منظومة الممانعة. وفي نيويورك ذاتها جمعت صور ومصافحات الرئيس الإسرائيلي بيريز ووزيرة خارجيته مع وزير خارجية قطر من دون أن يتم التعليق على ذلك. وهذه اللقاءات ليست الأولى من نوعها إذ سبق أن زار كل من بيريز وليفني قطر عدة مرات.
فالملاحظات على «الشكليات» كانت بالأصل تستهدف جوهر المؤتمر والفكرة بحد ذاتها وذلك في تعبير يرمز إلى طبيعة الشق الداخلي من الأزمة والذي يتمثل بفرز حقيقي بين قوى تؤيد وأخرى ترفض حوار الحضارات. وهذا الأمر هو استئناف لنقاش دار في إيران يوماً من الأيام بين المسار الإصلاحي الذي مثله محمد خاتمي الذي دعا إلى حوار الحضارات والمسار المعاكس الذي عاد وأرساه أحمدي نجاد من خلال قلبه لهذه المعادلة. فالمنظومة تلك نجحت في قطع المسار الحواري واعتمدت المسلك الثوري وتعمل على تأكيد قدرتها على الاستمرار في ذلك.
أظهرت المواكبة اللبنانية لهذا الحدث سياقين. السياق الأول عبر عنه الرئيس ميشال سليمان في اقتراحه أن يكون لبنان مركزاً لهذا الحوار وذلك لمجرد أنه يحوي كل الكتل المتخاصمة أو المتحاورة وهو نموذج للتعايش بين الطوائف وأقرب إلى أن يكون ساحة حوار دائم بدلاً من ساحة مفتوحة للصراع العسكري ونظامه السياسي الديموقراطي يسمح بذلك. والسياق الآخر عبر عنه «حزب الله» وحلفاؤه من خلال التوقف أمام إشكالية المشاركة اليهودية التي أحضرت بيريز إلى المؤتمر، فهذا الحزب لا يرى في المؤتمر إلا «واجهة حوار يريد شرعنة وجود إسرائيل والتطبيع معها»، وبعض المراجع المرتبطة به تدعو إلى «مقاربة الوضع اللبناني الداخلي من زاوية التهديد الإسرائيلي المستمر للبنان» ورسم دور لبنان على هذا الأساس. فإذاً يبقى لبنان في واجهة الصراع الإقليمي والحضاري (بحسبهم) إلى حين انتهاء الصراع في الشرق الأوسط بغض النظر عما إذا وُظـّفت نقاشات وجهود المؤتمر في تخفيف حدة الصراع أو حلها في بعض الحالات! أو إذا تم الانطلاق من المبادرة العربية التي أخذت تحظى بقبول أكبر من الأطراف الرئيسية المعنية بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.
ظل لبنان يعيش تناقضاً كبيراً على مستوى تحديد دوره في المنطقة وهذا التناقض طغى على معظم فترات الصراع السياسي الداخلي وكانت العناوين السياسية المتصارع عليها تحمل مضامين أبعد من كونها داخلية، وهي تختصر الأبعاد الإقليمية والدولية في جميع الأحوال. فبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي عام 2000 تم الترميز إلى ذلك عبر طرح سؤال أي لبنان نريد؟ هانوي أو هونغ كونغ؟ وفي وقت لاحق ظهر التناقض بين مشروع الدولة ومشروع المقاومة، واليوم يقع لبنان بين خيارين، حوار الحضارات بمعيّة الدول الصديقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أو صدام الحضارات بمعيّة أو بالأحرى بقيادة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد!
طبعاً لا يزيد هذا الاستقطاب الجديد شيئاً على ما هو قائم، إذ أنك تسمع في لبنان قوى رئيسية تضرب بعرض الحائط القرارات الدولية ومبادئ سيادة الدول والالتزام بالشرعية الوطنية والعدالة الدولية أو الاحتكام للديموقراطية البرلمانية أو احترام مقررات الحوار الوطني التي تحظى بإجماع الفرقاء اللبنانيين كافة.
فمن الناحية هذه ثمة أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح إذ هل يتسع نموذج التعايش اللبناني لقوى تعتمد المنهج النجادي في مقاربة المسألة الحضارية أو في النظرة إلى آفاق السلام في المنطقة أو في الموقف من المبادرة العربية التي أقرت في القمة العربية في بيروت؟ وهل صحيح أن لبنان هو مختبر ناجح لحوار الأديان كما وصفه الرئيس سليمان؟ أم أن الحقيقة هي أن الحوار الداخلي لم يفلح في التوصل إلى نتائج حول قضايا لا يتوجب الحوار فيها أساساً؟ وهل ينجح لبنان في تأمين مستلزمات الحوار الحضاري وهو إذا ما زاره فرضاً توني بلير المبعوث الدائم للجنة الرباعية الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط قامت الدنيا ولم تقعد على من استقبله أو صافحه؟
تشكل دينامية «حزب الله» الذراع الأقوى في تصدير الثورة عبئاً على حوار الحضارات في العالم فكيف به في لبنان؟
للحوار بشكل عام مقدمات مطلوبة ومداخل لا بد من الانطلاق منها، فأن تتحاور مع ذاتك وجمهورك يعني أن تبقيهم على أهبة الاستعداد لا أكثر ولا أقل، وهذا الأمر لا يزال يحوز على ممارسة الجزء الأكبر من الممسكين بقضايا التعبئة «الثورية» في قوى 8 آذار وهناك ظاهرة لا تزال تتوسع إذ أن الفريق العلماني المنخرط حديثاً في منظومة الممانعة بات يطرح نموذج تسليح المجتمع وتحويله إلى «حرس ثوري» في لبنان! والفريق غير العلماني كاد يتسبب بصدام مذهبي يمتد على مساحة البلد!
يشكل مبدأ التعايش بين الفئات اللبنانية فضيلة تؤهله لاستضافة الحوار الحضاري في الوقت الذي يشكل التعايش بين خياري «لبنان الدولة» و «لبنان المقاومة» عائقاً أمام ذلك. لا بل هناك سؤال لا بد من طرحه، فماذا لو أعاد «حزب الله» احتلال بيروت؟ فهل سيخرج في إيران من لا يكتفي بالقول انه أسقط المشروع الأميركي بل سيقول أنه أسقط حوار الحضارات برمته ومشروع التطبيع مع إسرائيل؟


* كاتب لبناني

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,329,246

عدد الزوار: 6,886,601

المتواجدون الآن: 84