هل يؤدي انفصال جنوب السودان عن شماله إلى تداعي البلاد وتفككها؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 19 كانون الثاني 2011 - 5:42 ص    عدد الزيارات 817    التعليقات 0

        


 

هل يؤدي انفصال جنوب السودان عن شماله إلى تداعي البلاد وتفككها؟
أي نوع من الحياة ستواجهها <أشاي شون> وزوجها <ماجوك آلي> في الدولة الجديدة وهل ستتمكن الدولة الناشئة من الاندماج في ركب المجتمع الدولي؟ في أواخر تشرين الثاني الماضي قام الزوجان وأولادهما التسعة بحمل متاعهم واستقلال حافلة من بلدتهما الشمالية ميممين شطر الجنوب في رحلة تستغرق تسعة أيام· وهذه الحافلة هي مثال على آلاف الحافلات والقوافل المماثلة التي تقل جنوبيين يقطنون شمال البلاد ويغادرونه مسرعين أملا بالوصول الى الجنوب قبل تاريخ التاسع من كانون الثاني الحالي وهو الموعد المضروب لبدء استفتاء حق تقرير المصير حول استقلال الجنوب وانفصاله عن الشمال· ولدى وصول الزوجين الى مدينة <أبيي> الواقعة جنوب الحدود المفترضة بين الشمال والجنوب عبرت <اشاي> عن فرحتها بالقول: <بالرغم أنه ليس لدينا مال ولا متاع الا أننا لا نخشى شيئا لاننا في بلادنا الآن· هل يشهد السودان ميلاد دولة جديدة او عودة حرب قديمة ؟ يتوقع أن تأتي نتائج استفتاء حق تقرير المصير لمصلحة انفصال الجنوب عن السودان وسوف يقوم الجنوبيون بغالبيتهم الساحقة بالتصويت على قسمة أكبر دولة مساحة في افريقيا الى جزأين· فالسودان يماثل الجزيرة العربية في سعة أراضيه إلا أن هناك اختلافات جذرية بين شماله وجنوبه مثل الثقافة، العرق والدين·

منذ قرنين من الزمان وحتى القرن العشرين كان الشماليون يمارسون القمع والاضطهاد بحق الجنوبيين الأفارقة بالاضافة الى الاغارة على اراضيهم وأخذهم كعبيد·

ومنذ استقلال السودان في العام 1956· م عن الحكم البريطاني-المصري المشترك نشبت حربان اهليتان طويلتان أسفرتا عن سقوط مليوني قتيل من الطرفين· لذا فإن ظلالاً من التوتر والشك لا تزال تخيم على الشعب السوداني البالغ عدده 44 مليون نسمة · لذا فإن أي صراع قد ينشب اليوم مؤهل للانتشار الى خارج حدود البلاد مع فرار اللاجئين من مناطق القتال ·

إن الاهتمام بالسودان نابع من اهميته الاقتصادية أي الاحتياطي الضخم من النفط إضافة إلى المعادن مثل النحاس والذهب· في العام 2005 قامت الولايات المتحدة بوساطة بين الطرفين أدت ذلك إلى إبرام معاهدة سلمية انهت صراعاً استمر لفترة نصف قرن من الزمان كما أدت الاتفاقية إلى قيام حكم ذاتي في الجنوب إضافة إلى حق الجنوب في الانفصال عن الشمال إن اختار ذلك· إلا أن موضوع الانفصال لم يكن وارداً أو مطروحاً آنئذٍ لدى الجنوبيين لان زعيم الجنوب التاريخي الراحل <جون قرنق> كان يرفضه بشدة· إلا أنه مع وفاة <قرنق> في العام 2005 واستمرار تعامل الخرطوم المتحيّز ضد الاقاليم الجنوبية ما أدى إلى إختيار الجنوب للانفصال·

وعبر الزعيم الجنوبي <سالفا كيرميارديت> ،الذي يُتوقع ان يكون اول رئيس لدولة جنوب السودان،عن تفاؤله بإختيار الجنوبيين الانفصال· ويمارس كل من الشمال والجنوب ضبط النفس والديبلوماسية وقد وعد الرئيس السوداني <عمر حسن البشير> ان يدع الجنوب ينفصل عن السودان إذا إختار الجنوبيون ذلك في الاستفتاء· ويقول خبير الشؤون السودانية في مجموعة الازمات الدولية <زاك فيرتن> أن نفط السودان يمكن أن يشكل قوة دافعة نحو السلام قائلا: إن <معظم النفط موجود في الجنوب إلا أن البنى التحتية اللازمة لتصديره إلى الخارج تتواجد في الشمال لذا فإن التكامل يتشارك به الطرفان>·

إن تاريخ السودان يجعل انقسام وانفصال البلاد حلاً بديهياً لكن رسم خط حدودي على الرمال ليس بتلك السهولة· ففي السودان هناك شماليون داكنوا البشرة كما أنه يوجد جنوبيون مسلمون · بالاضافة إلى أن مدينة <جوبا> الجنوبية يتحدث سكانها اللغة العربية· وقبيلة <الدينكا> التي تعيش في ضواحي مدينة <أبيي> كانت تاريخياً موالية للشمال بالرغم من أن افرادها هم من ذوات البشرة الداكنة الافريقية ·إلا أن هذه القبيلة تنوي التصويت لصالح الانفصال عن الشمال بسبب غضبها من تهميش حكومة الخرطوم للاقاليم· ويعترض الشماليون بقوة على قرار القبيلة علماً ان إقليم <أبيي> غني بالنفط· أما قبيلة <المسيرية> أصحاب الأرض الحقيقيين في أبيي المشهورة برعي قطعان الغنم والتي تنتقل تقليدياً الى الجنوب خلال مواسم الجفاف في الشمال فإنها ترغب في البقاء مع الشمال وترفض الانفصال· هذه النزاعات كانت قد أشعلت العنف سابقاً· ففي العام 2008 قام الجيش الشمالي بمهاجمة <أبيي> وسوّاها بالارض قاتلاً مئة من سكانها·وفي العام 2010 قامت قبيلة <المسيرية> بمهاجمة ثلاث قرى مجاورة·

ومن أجل وقف النزاع حول <أبيي> تم وضع بند في إتفاقية السلام المعقودة في العام 2005 ينص على إستفتاء موازٍ منفصل يحدد به انضمام <أبيي> إلى الشمال أو الجنوب· إلا أن الجدال يدور حول من يحق له التصويت في هذا الاستفتاء· فهل يمكن أن يصوت <المسيرية> مع < الدينكا> ؟ قطعاً هذا الامر بمنتهى الصعوبة·

مع إنهيار منظومة إستفتاء تقرير المصير في <أبيي> فإنه يتوقع عودة استشراء العنف بين الاطراف· فقبيلة <الدينكا> يدعمها الثوار الجنوبيون الممثلون <بجيش التحرير الشعبي السوداني> اللذين يقومون بإرسال مقاتلين إلى المنطقة· كما ان الشماليين يقومون بألأمر ذاته·

يقوم المجتمع الدولي بمنع حرب سودانية جديدة عبر الديمقراطية، وهو أمر لم يكن وارداً في العقود الماضية·في الخريف الماضي ابلغت وزيرة الخارجية الاميركية <هيلاري كلينتون> مجلس العلاقات الخارجية في الكونغرس أن السودان قنبلة موقوتة قد يؤدي انفجارها لعواقب مهولة مضيفةً <إن تقبل السودان خسارة الجنوب ستكون صعبة جداً لذا علينا (أي الولايات المتحدة) أن نعوض عليهم>·

لذا قام السيناتور <جون كيري> خلال شهر تشرين الثاني الفائت بزيارة الخرطوم موفداً من إدارة الرئيس <أوباما> وصرح <كيري> خلال الزيارة بأنه إذا سمح الشمال بإجراء استفتاء تقرير مصير سلمي في الجنوب فإن الادارة الاميركية سترفع إسم السودان عن لائحة الدول الراعية للارهاب كما أن أي تقدم في موضوع <دارفور> ،حيث يندلع قتال مرير بين الثوار والنظام، سيؤدي إلى وقف العقوبات الاقتصادية وإعفاء السودان من ديونه الخارجية البالغة خمسة وثلاثين مليار دولار· وعبر <كيري> عن تفاؤله قائلاً: إن جميع الاطراف تركز على تجنب المزيد من الصراعات·

سياسة واشنطن المرنة تجاه السودان انعكست على عواصم أخرى أيضاً· فخلال السنة والنصف المنصرمة قام رئيس جنوب أفريقيا <تابو مبيكي> الذي يمثل الاتحاد الافريقي، بوساطة في المحادثات بين شمال السودان وجنوبه· كما أن حكومة قطر ترعى محادثات السلام حول <دارفور>· أما <بكين> التي تستورد حصة الاسد من النفط السوداني فتحاول المساعدة ديبلوماسياً· ويعبر <سكوت غرايشون> الجنرال المتقاعد والمبعوث الاميركي الخاص لدى السودان أن <كل هذا التنسيق الدولي غير المسبوق قد هيأ الجو فلم يكن الامر مصادفة لان الجميع لديهم الهدف نفسه ألا وهو خلق الظروف الموضوعية لتمكين الاطراف من الاتفاق·

بالاضافة إلى <أبيي> هناك مسائل خلافية قد تعيد إشعال نار الحرب بين الطرفين مثل خلاف حول ست مناطق حدودية و كيفية اقتسام مبلغ خمسة وثلاثين مليار دولار من الديون الخارجية، اقتسام النفط، الجيش الوطني، اقتسام مياه النيل الابيض وحقوق الرعي· كل هذه الامور يجب السعي إلى حلها قبل أن يصبح الانفصال رسمياً في تموز المقبل·

وحتى لو تم التوصل إلى حلول حول المسائل الخلافية الانفة الذكر،فإن هناك شكوكاً حول قابلية الشمال والجنوب للحياة منفصلين·

فبالنسبة للشمال فإن طلاقه مع الجنوب سيكلفه نفقة مؤلمة لأن معظم نفط السودان الذي يمثل ستين بالمئة من عائدات الحكومة السودانية موجود في الجنوب · كما أن هناك قلقاً حول الاستقرار السياسي في الشمال لان إنفصال الجنوب قد يشجع حركات ثورية أخرى كما أنها قد تدفع إسلاميين متشددين أو جنرالات الجيش لخلع الرئيس البشير·

إذا كان للبشير ما يقلقه في الشمال فإن للحكومة الجنوبية متاعبها الخاصة أيضاً، فأربعة من امراء الحرب الجنوبيين خاب املهم في الدور المعطى لهم في الدولة المستقلة وقاموا بالانفصال عن <الجيش الشعبي لتحرير السودان> العام الماضي ورحلوا مع رجالهم إلى داخل الادغال· وقد قامت إحدى هذه المجموعات بقتل عشرين من جنود <الجيش الشعبي> في كانون الاول الماضي· ويحاول <سلفاكير> زعيم الجنوب شراء ولاء أمراء الحرب الاربعة هؤلاء عبر عرض مناصب حكومية عليهم·

الحيوية الاقتصادية في الجنوب مسألة مقلقة أيضا· ففي الخرطوم توجد مطاعم راقية وناطحات سحاب مشعة ولكن معظم الجنوبيين لا يزالون يقطنون أكواخاً طينية ويمتهنون الزراعة وبعض الصناعات البدائية· في الجنوب الطرق المعبدة نادرة كما أن الكهرباء غير موجودة تقريباً· المعونات الاقتصادية التي تقدم للجنوب غير مجدية، ففي شباط الماضي قال محققو البنك الدولي أن فرقهم العاملة في مدينة <جوبا> لم تنفق سوى 217 مليون دولار من مبلغ 526 مليون دولار الموضوع بتصرفهم لإعادة إعمار جنوب السودان·

مدينة <جوبا> المتوقع افتتاحها كعاصمة للجنوب، أضحت مدينة مزدهرة ومركزا لجذب العديد من الباحثين عن فرص· ولكن معظم المبالغ المالية الكبرى المتأتية من النفط أو المساعدات تذهب الى جيوب المتعهدين الاجانب،البالغ عددهم عدة آلاف، او إلى حسابات البنوك الخارجية للمسؤولين الجنوبيين·

عن مجلة <التايم>


 

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,521,261

عدد الزوار: 6,994,239

المتواجدون الآن: 76