مواجهة غير متكافئة بين روسيا البوتينية والغرب... واستبعاد حرب باردة جديدة

تاريخ الإضافة الأربعاء 26 تشرين الأول 2016 - 6:26 ص    عدد الزيارات 533    التعليقات 0

        

 

مواجهة غير متكافئة بين روسيا البوتينية والغرب... واستبعاد حرب باردة جديدة
ماري ماندراس 
* باحثة، محررة في هيئة تحرير مجلة «اسبري»، صاحبة «الـــسياسة الروسـية: مفارقة دولة ضعيفة»، عن «لوموند» الفرنسية، 14/10/2016، إعداد م. ن.
يميل الأوروبيون إلى تناول عوامل الحرب الباردة القديمة، ويدور كلامهم على حرب باردة جديدة. والكلام هذا هو مرآة الأمل في أن تبقى المواجهة اليوم مع روسيا باردة، فلا تنزلق إلى حرب ساخنة، وتقتصر مسارحها على مناطق خارج القارة الأوروبية، على نحو ما كانت الحال في العهد «السوفياتي». حينها، سعى الأميركيون والحلف الأطلسي (الناتو) الى الحؤول دون مواجهة بين جندي غربي وآخر من معسكر اتفاق وارسو. والمواجهة بين المعسكرين الغربي و «السوفياتي» لم تخرج عن مظلة الردع النووي، ولم تنزلق الى نزاع مسلح في أوروبا الغربية.
ولكن شتان بين عناصر أو عوامل المواجهة اليوم وعناصر المواجهة «الباردة» الآفلة. فإثر انهيار جدار برلين في تشرين الثاني (نوفمبر) 1989 وانهيار «الاتحاد السوفياتي»، تمدّدت المجموعة الأورو- أطلسية الى الشرق، ولم يبقَ في مواجهتها غير روسيا. وهذه ليست حليفاً «صلباً» (يعتد به)». فعلى سبيل المثل، علاقة موسكو مع كازاخستان لا تضاهي الشراكة الفرنسية – الألمانية أو التحالف الأطلسي. والقوة العظمى السابقة هي قوة عسكرية ونووية، لكنها اليوم متوسطة الحجم. فهي تأفل سكانياً، واقتصادها ينزلق الى الهاوية، وناتجها المحلي أقل من نظيره الايطالي، ومجتمعها ينهشه القلق ويعد للفاقة والتقوقع على النفس.
ويحتكر فلاديمير بوتين السلطات الروسية كلها ويمسك بمقاليد النيران النووية، لكنه يقوض قدرات بلده وشعبه. وأفول روسيا عنيف الوقع. ولا يفلح بوتين في تحريك عجلة سياساته المعلنة: السيطرة على الجمهوريات «السوفياتية» السابقة، والشراكة مع الولايات المتحدة، وسياسة تجارية واستثمارية مع الأوروبيين. والنظام يشعر أكثر فأكثر أنه محاصر، وأن الطوق يطبق عليه، لذا، يهرب إلى أمام.
ويوجه دفة روسيا اوتوقراطي يريد تغيير موازين القوى. وفي مقابله، جبهة من نحو أربعين دولة متضامنة: دول «الناتو» والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان وكندا ودول تسعى الى الفكاك من قبضة روسيا مثل أوكرانيا وجورجيا. وهذه حال استراتيجية غامضة يعصى التوقع بمآلها، في وقت تحيك المجموعة الحاكمة في موسكو خيوط شرنقة العزلة حول نفسها. وروسيا بوتين ترمي الى استعادة مكانتها قوة عظمى تحاور الولايات المتحدة حوار الند للند. وأفلحت نسبياً في بلوغ مأربها عبر الإلقاء بثقلها في المعادلة السورية وإظهار أن لا مناص من محاورتها، لكنها أطاحت المكاسب التي أعدت لها إعداداً حثيثاً وشاقاً. فالمفاوضات الروسية – الأميركية أخفقت على وقع رفع وتيرة الحملة على حلب. فالهروب إلى أمام عسكرياً لا تفرضه مقتضيات جيو- استراتيجية بل ينجز ما يرمي إليه النظام: بقاءه السياسي. والنظام الروسي صار في موقع المدافع. وفي سبيل البقاء في السلطة، بادر بوتين إلى مغامرات عسكرية تقلق شعبه. وساهمت «عودة القرم» إلى روسيا في تأجيج المشاعر الوطنية الروسية.
وبوتين في السلطة منذ 17 عاماً. ولم أخلص في دراستي سياسته الخارجية- وهي وثيقة الصلة بسياسته الداخلية- إلى انه ينتهج استراتيجية استعادة أراضٍ (استراتيجيا توسعية) ولم أرصد مؤشرات إلى انه يعد العدة لحرب ضد بلد «أطلسي»، على رغم انه شن «حرباً صغيرة» في شرق أوكرانيا في محاولة لإشعال فتيل حرب أهلية هناك، وزعزعة استقرار كييف للحفاظ على ما تسميه موسكو «دائرة نفوذها». لكن بوتين وعسكرييه لا يرغبون في نزاع مباشر مع «الناتو». وهم أمام معضلة متناقضة: الرغبة في استعادة قوتهم الآفلة من طريق الضغط والقوة من جهة والافتقار الى وسائل إحياء المكانة الآفلة عن احتكاك عسكري بالدول الغربية في الأمد الطويل. ويترافق استعراض القوة وإثباتها مع نهج سياسات حمائية اقتصادية وأمنية.
ولطالما نظر بوتين بعين الخوف الى الثورات الملونة، سواء تلك التي وقعت في الدائرة «السوفياتية» السابقة، في جورجيا (2003) وأوكرانيا (في 2004 ثم في 2013)، او تلك التي عرفت بـ «الربيع العربي». وهو يرى أن سقوط الزعماء الديكتاتوريين (المستبدين) هو ثمرة توجيهات قوى خارجية، الولايات المتحدة تحديداً. ويعود دعمه العسكري والسياسي لنظام دمشق الى عام 2011. ومنذ 2015، يشارك العسكريون الروس مباشرة في ضربات جوية في سورية وفي القتال مع جيش بشار الأسد. وفي أوكرانيا، نواة السياسة الروسية هي بث الخوف. ومكانة البروباغندا ونشر الأخبار الخاطئة راجحة في السياسة هذه. وعلى رغم اتفاقات مينسك في 12 شباط (فبراير) 2015، ترسل روسيا، الى اليوم، السلاح والقوات الى الدونباس ولا تقر بما تفعله. ونفيها يصب في مصلحة أوروبيين يراهنون على موسكو وليس على كييف. والإجماع الى اليوم قائم على العقوبات الغربية الاقتصادية على روسيا.
ولا أرى أن بوتين ينتهج استراتيجية في أوروبا. فهو ليس بمخطط استراتيجي بل مخطط تكتيكي بارع في اقتناص الفرص السانحة. ولا تملك روسيا قدرات مالية وعسكرية تخولها تنفيذ ما تعلنه. فإثر عام على ضم القرم في آذار (مارس) 2014، أعلن بوتين انه مستعد لنشر أسلحة نووية إذا رد الغرب رداً قوياً على خطواته. وهو نشر أخيراً صواريخ «اسكندر»، القادرة على حمل رؤوس نووية، في كاليننغراد، الجيب الروسي على الحدود مع بولندا وليتوانيا. لكن موسكو خاوية الوفاض من قدرات تخولها التزام ما تعلنه من تهديدات مقلقة. فهي عاجزة عن حكم أقاليم أجنبية، ولا ترغب في استعادة جورجيا أو أوكرانيا، بل تسعى إلى تقويض حكومتيهما وبلوغ قادة موالين لها سدة السلطة في البلدين. وهي أخفقت في هذا المسعى، لذا، تسعى إلى زعزعة استقرار كييف وتبليسي. ويأمل الكرملين بأن يساهم الخوف العميق من حرب على أبواب الاتحاد الأوروبي في الحؤول دون صمود الأوروبيين في وجهه.
تكتيك «فرّق تسد» البوتيني أخفق في أوكرانيا. وأجمعت فرنسا وألمانيا وغيرهما من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، على موقف موحد يرفض ضم الدونباس الى روسيا بقوة السلاح والتدخل العسكري. ودعي الرئيس الروسي الى مغادرة اجتماع مجموعة الدول الثماني في 2014، وعُلق حق بلاده في الاقتراع في المجلس الأوروبي. وفي مجلس الأمن، اقتصر عدد الدول التي دعمت روسيا على عشر فحسب، منها سورية وفنزويلا. والعقوبات الأوروبية والأميركية لم ترفع عنها. ووافقت روسيا على اتفاق مينسك الثاني في شباط 2015، وهو ساهم في خفض وتيرة القتال في شرق أوكرانيا وقيد الخسائر البشرية. لكن عقد عملية الخروج من النزاع في أوكرانيا ينفرط بسبب رفض روسيا سحب أسلحتها الثقيلة من الشرق.
ويميل شطر من الأحزاب اليمينية والمتطرفين في أوروبا الى بوتين، ويجذبهم الطابع الرجعي للنظام الروسي، واستناده الى ما يسميه «القيم التقليدية والنظام العام». وفي فرنسا، يرفد الخطاب السيادي الذي يرفع لواء فرنسا مزدهرة وحصينة أمام الغرباء اذا انعتقت من «استتباع» بروكسيل وبرلين وواشنطن لها، تياراً بوتينياً فرنسياً. واستراتيجية استمالة أمثال هذه القوى الأوروبية هي وسيلة الكرملين اليتيمة اليوم من أجل نشر النفوذ الروسي في أوروبا، بعد أن خسرت روسيا قدراتها على الجذب الاقتصادي والديبلوماسي والعلمي والثقافي.
وتأجيل زيارة بوتين باريس هو منعطف ديبلوماسي بين البلدين، والعلاقات الثنائية بين موسكو والدول الأوروبية تدهورت منذ 2014. ولا تبالي السلطات الروسية بمقتل مئات الآلاف من المدنيين السوريين ولا بتدفق ملايين اللاجئين إلى تركيا وأوروبا. ولم تنعقد ثمار مساعي باريس من أجل عودة موسكو إلى رشدها للخروج من أزمتين أمنيتين بارزتين. والسبيل الى الحؤول دون تصعيد عسكري روسي والقطيعة الديبلوماسية مع موسكو، هو انتهاج الأوروبيين سياسة متماسكة ورصهم الصفوف.
 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,744,609

عدد الزوار: 6,912,273

المتواجدون الآن: 92