التقارب الروسي - التركي... شراكة غير متكافئة

تاريخ الإضافة الأربعاء 27 تموز 2016 - 7:31 ص    عدد الزيارات 495    التعليقات 0

        

 

 التقارب الروسي - التركي... شراكة غير متكافئة
جيفري منكوف 
* نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، باحث في برنامج ترومن للأمن القومي، عن «فورين افيرز» الأميركية، 20/7/2016، إعداد منال نحاس
تطبيع تركيا العلاقات مع روسيا في نهاية حزيران (يونيو) الماضي كان حدثاً إيجابياً، في وقت تعصف بتركيا موجة من الهجمات الإرهابية تشنها عصابات كردية و «الدولة الإسلامية»، ويتدفق عليها سيل من اللاجئين السوريين، وتجبه مشاكل اقتصادية متعاظمة تفاقمها العقوبات الروسية، والتوتر مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. فخلص الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، الى أن بلاده لا قدرة لها على حرب باردة مع موسكو. واعتذاره عن إسقاط المقاتلة الروسية في 2015 مهد لاستئناف العلاقات الاقتصادية مع روسيا والتعاون الأمني معها. ولكن الاعتذار لن يقوض تعاظم النفوذ الروسي في الفناء الخلفي التركي، أي في منطقة البحر الأسود والقوقاز والشرق الأوسط الكبير. والنفوذ الروسي يتمدد ونفوذ أنقرة يتقلص، ويطوي الشراكة الاستراتيجية الروسية- التركية التي برزت في العقد الأول من القرن الحالي.
وتعاظم نفوذ روسيا في السنوات القادمة سيحد من فرص شراكة فعلية بين أنقرة وموسكو. وعلى رغم أن الانقلاب الفاشل ضد اردوغان، يعزز فرص التعاون الروسيالتركي في الأمد القريب نتيجة غض موسكو النظر عن عمليات تطهير المعارضين. والأغلب أن تسعى روسيا الى التقرب من تركيا، إثر خلافاتها مع الغرب. ولن يضير موسكو أن ينصبّ غضب اردوغان على سلاح الجو التركي- وهذا لطالما تبرم من انتهاك روسيا المجال الجوي التركي وحضّ على الرد على الانتهاكات- إثر دوره المركزي في محاولة الانقلاب. ويساهم (الانقلاب) كذلك في توتير علاقات تركيا بأوروبا والولايات المتحدة، قوض (الانقلاب) قوة تركيا وجعلها أضعف أمام تهديداتها. فالشراكة بين البلدين لم تعد شراكة ندّين.
وفي العقد الأول من القرن الحالي، سعت موسكو وأنقرة الى أداء دور أكبر في النظام العالمي، وشعرتا بالإحباط مما اعتبرتا انه رفض غربي لهذا الدور. وتعاون البلدان اقتصادياً، ووطدا العلاقات التجارية والاستثمارية بينهما. وفي 2015، صارت روسيا ثالث أكبر شريك تجاري لتركيا، ورابع أكبر مستثمر أجنبي، ومصدر الغاز الطبيعي الأبرز، وتقاطر السواح الروس على منتجعات المدن التركية.
ولكن إثر إسقاط الطائرة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، فرضت موسكو عقوبات على أركان التعاون مع تركيا: الزراعة والبناء والسياحة. وحظرت استيراد الأغذية التركية وقيدت أعمال المقاولين الأتراك في روسيا، وحظرت الرحلات الرخيصة الثمن بين البلدين، وألغت اتفاق السفر من غير فيزا بين البلدين. وأوقفت شركة «غازبروم» مشروع مد خط أنابيب جديد عبر البحر الأسود الى تركيا، وعلقت «روزاتوم»، وهي شركة نووية روسية عامة، العمل بمفاعل كانت تبنيه في تركيا. وكانت العقوبات ستؤدي الى تراجع النمو التركي 0.7 في المئة في 2016 لو استمرت طوال العام.
والمواجهة التركية مع روسيا حول الأزمة السورية ساهمت في تقويض مكانة أنقرة. ففي هذا النزاع، نافست روسيا، وهي تدعم، الى إيران و «حزب الله»، حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، تركيا. وأنقرة تدعم، الى جانب دول عربية وغربية، مجموعات معارضة تسعى الى إطاحة الأسد. وفي الأشهر التالية على إسقاط المقاتلة التركية، صعّدت موسكو الحملة على المصالح التركية في سورية، وقصف سلاح جوها مجموعات تدعمها تركيا. وزاد عدد السوريين الهاربين الى تركيا التي تستقبل اليوم أكثر من 3 ملايين لاجئ. ورفعت موسكو مستوى دعم «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي الذي تراى أنقرة أنه امتداد لحزب «العمال الكردستاني»، وهو حزب يخوض حرباً انفصالية- دموياً- في جنوب شرق تركيا. وسمحت روسيا لهذا الحزب بإنشاء دويلة في شمال سورية، وبفتح مكتب تمثيلي له في موسكو، وشن سلاح الجو الروسي هجمات ساهمت في تقدم السوريين الأكراد وحيازتهم مزيداً من الأراضي.
والعامل الأبرز في الشراكة الروسية– التركية، إثر بلوغ اردوغان رئاسة الحكومة في 2003، هو تقهقر القوة الروسية بعيداً عن الحدود التركية، إثر انهيار الاتحاد السوفياتي. فمن حرب القرم الى الحرب الباردة، اضطرت تركيا الى الارتباط بقوى بارزة في اوروبا والغرب (فرنسا وبريطانيا في 1850، وألمانيا في الحرب العالمية الأولى، والناتو بدءاً من الخمسينات) وشمال أميركا لحماية نفسها من روسيا. وحين انهارت القوة العسكرية الروسية وانحسر النفوذ الروسي في البلقان وشرق المتوسط وجنوب القوقاز، رُفع سيف التهديد الروسي عن تركيا للمرة الأولى في قرون. فوسعها انتهاج سياسة خارجية طموحة وتعزيز دورها في الشرق الأوسط. وفي السنوات الأخيرة، تطورت قدرات الجيش الروسي على وقع عملية تحديث مكثفة بدأت في 2008. وفي الجوار التركي، حشدت روسيا قوتها العسكرية، وأرست منطقة حظر جوي فوق البحر الأسود. ومنذ ضم القرم، تُطور قوتها البحرية، وترسي فقاعة يحظر فيها الطيران والعبور في شرق المتوسط. ووعدت بزيادة عدد قواتها البالغ عددها 5 آلاف جندي في أرمينيا على الحدود التركية، وأنشأت نظام دفاع جوي مشتركاً معها (أرمينيا). وهذه العوامل ساهمت في تقويض قوة تركيا أمام النفوذ الروسي. واليوم، المصالح الروسية والتركية افترقت في سورية وأوكرانيا، التي تقطع روسيا أوصالها في وقت أنقرة توثق العلاقات بها، وفي القوقاز حيث استؤنف القتال بين أرمينيا واذربيجان. وفي الأمد البعيد، يفاقم ما ترتب على الانقلاب وما بعده ضعف تركيا. وتقييد اردوغان قوة الجيش سيضعف قدرته على صد النفوذ الروسي.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,112,219

عدد الزوار: 6,935,275

المتواجدون الآن: 95