المبادرة الفرنسية لتسوية النزاع العربي - الإسرائيلي... خطوة ناقصة

تاريخ الإضافة الخميس 18 كانون الأول 2014 - 7:51 ص    عدد الزيارات 594    التعليقات 0

        

 

المبادرة الفرنسية لتسوية النزاع العربي - الإسرائيلي... خطوة ناقصة
سام منسى جون بل
إطلاق الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مبادرة فرنسية لعقد مؤتمر دولي لتسوية النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني، لا يمكن وصفها بأقل من أنها محاولة عودة إلى العقل والمنطق وسط الجنون الذي تعيشه المنطقة والاضطراب والغموض اللذين تتسم بهما الأدوار الخارجية في شأنها، الإقليمية منها والدولية على حد سواء.
منذ عقود والعقلاء في الإقليم وخارجه يدعون عبثاً إلى تسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي أو العربي - الإسرائيلي كمدخل لاستقرار المنطقة وأمنها. طبعاً لم تفلح، في هذا السياق، المؤتمرات التي عقدت أو المبادرات أو الزيارات المكوكية بين الأطراف المعنيين.
وبينما النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي على حاله من السوء والانحدار ربما نحو انتفاضة ثالثة، يضرب زلزال غير مسبوق أرجاء المنطقة من سورية إلى اليمن مروراً بالعراق والبحرين ومصر، ما يجعل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين بخاصة والعرب بعامة كأنه من الدرجة الثانية أو الثالثة، قياساً بما يعصف بالإقليم من معضلات أمنية وسياسية وطائفية - مذهبية، واقتصادية واجتماعية وإنسانية خانقة، غيرت الدول التي تمر بها، ووجه المنطقة لسنوات طويلة.
وسط هذه الصورة القاتمة تبدو المبادرة الفرنسية، إذا قدر لها أن تتقدم، خطوة إيجابية إنما يبدو أنها غير كافية وحدها.
ولا شك في أن اندلاع أزمة جديدة بين إسرائيل وفلسطين مضافة إلى نزاعات الإقليم هي إضافة سلبية خطيرة، لا سيما أنها مشكلة بين اليهود والمسلمين، مضافة إلى المشاكل بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين الأقليات في المنطقة على غرار ما شهدناه ونشهده في كل من العراق وسورية.
محاولة تسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني المزمن والمعقد بمعزل عن المشاكل المحيطة، تبدو أيضاً على قدر من السذاجة والتبسيط ودونها عقبات كثيرة أهمها:
أولاً: معظم المراقبين والمتابعين لشؤون المنطقة على دراية تامة بحدود قدرة الدور الأوروبي في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط، لا سيما إذا كانت الولايات المتحدة مترددة أو غير متحمسة للتسوية المنوي التوصل إليها.
صحيح أيضاً أن التراجع الأميركي عن شؤون المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية، لا بد من أن يحفز الأوروبيين على الانخراط مكان واشنطن، إلا أن الأخيرة يبدو أنها عادت تلتفت إلى الشرق الأوسط بعد تشكيل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» من جهة، ومن جهة أخرى لا تزال واشنطن إلى حد ما معنية ومصرة على دورها في تسوية ما للنزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل. ولــم يتسنَّ بعد لوزير الخارجية الأمــيركي جون كيري الاستراحة من عناء الزيارات واللقاءات بيــن الأطـراف المتنازعين.
إن أي تسوية مزمعة لهذا النزاع تحتاج إلى دور أميركي فاعل، واضح الرؤية لمضمون التسوية وعازم وقادر على الضغط لإنجاحها. بيد أن هذه العوامل يبدو أنها غير متوافرة، أقلّه مجتمعة لدى هذه الإدارة بخاصة، ولم يتوافر أيضاً مع معظم الإدارات التي سبقتها.
ولا يزال الراعي الأميركي يتوسط بين الطرفين بينما الحاجة هي إلى أكثر من الوساطة. ولا بد من رؤية متكاملة للحل قابلة للنجاح وتستطيع واشنطن تسويقها لدى الطرفين.
ثانياً: صحيح أيضاً أن النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي له خصوصيته، إنما نعرف أيضاً أن أطرافه معنيون بما يجري في المنطقة. أما فصل ما يجري في الإقليم عن أحوال إسرائيل والفلسطينيين ففيه الكثير من الطوباوية. وما كان يصح من عشر سنوات أو أكثر أصبح متعذراً في هذا الزمن.
القضية الفلسطينية كانت لأكثر من نصف قرن قضية العرب الأولى، اليوم دخل إليها عنصر جديد هو العامل الإيراني الذي أصبح منذ عام 1982، الورقة الأصعب في معادلة الصراع. وتشغل إيران العقل والسياسة في إسرائيل من جهة، ومن جهة ثانية وحتى إشعار آخر يبقى لها دور وتأثير في جهات فلسطينية من المؤكد أن لديها الفاعلية في التعطيل والتخريب.
تسوية من أي نوع ؟
ثالثاً: هل يمكن أن تتقدم التسوية أو تتراجع بين إسرائيل والفلسطينيين من دون حسم الموضوع النووي الإيراني؟
أي تسوية ممكنة والدول التي تحيط بإسرائيل تعاني مباشرة أو غير مباشرة من تداعيات الزلزال الذي يضرب أكثر من دولة عربية؟
أي تسوية ممكنة من دون أن يرسو الوضع في مصر بين الأطراف المتنازعين وتحديد الاتجاه الذي تسير مصر نحوه؟
أي تسوية قبل معرفة مصير سورية والعراق وأدوار المنظمات والأطراف المتصارعين؟
أي تسوية قبل معرفة مصير «داعش» وأخواته؟
أي تسوية قبل معرفة نتائج التمدد الإيراني عبر البيئات المحلية في أكثر من دولة عربية، هذا التمدد الذي رفع منسوب التجاذب المذهبي إلى حدود غير مسبوقة؟
رابعاً: المشهد السياسي في المنطقة ويشمل الدول كما المنظمات خارج الدولة وهي كثيرة إلى حد كبير، هو مشهد ليس من المبالغة وصفه بالسوريالي:
- الدول الحليفة تعمل ضد بعضها، مصر تحصل على الدعم الخليجي ومتباينة مع تلك المنظومة حول الشأن السوري.
- تركيا والسعودية لهما الرؤية نفسها تجاه سورية، إنما تتباينان تجاه تنظيم «داعش» و «الإخوان المسلمين».
- إيران تؤيد واشنطن في حربها ضد «داعش» وتحاربها في سورية وغيرها.
هذه الأمثلة كما يقال غيض من فيض وغيرها الكثير وعلى أكثر من مستوى.
- أما التدخل الدولي عقب إنشاء التحالف للقضاء على «داعش» فيكاد يحاكي حال الحلفاء في الإقليم، كما التباينات التركية - السورية والسعودية - القطرية - الخليجية في ما بينها وبين مصر، لا سيما في الشأن السوري. وتعود الأزمة السورية مجدداً لتظهّر الخلافات بين أطراف التحالف الدولي نفسه، حيث أصبح الموقف من نظام الأسد هو العنوان الرئيسي لهذا الخلاف بين مناهض ومتردد ومتحالف.
الولايات المتحدة تدرب قوات نخبة عراقية لجَبه «داعش»، وتتحدث أيضاً عن تدريب قوى من المعارضة السورية المسلحة المعتدلة. القوتان تسعيان إلى تحقيق أهداف مختلفة. العراق يدعم النظام في سورية بينما المعارضة السورية تسعى لاقتلاعه.
رابعاً: كل ما سبق سرده أصبحت له نتائج على مستويات أخرى غير أمنية أو سياسية. التداعيات الجانبية من اجتماعية واقتصادية ونفسية وثقافية باتت أشد وأفتك وأصابت دول الإقليم نتيجة الزلزال الحاصل، بأضرار وخسائر طاولت البشر والحجر.
أزمة اللجوء والنزوح على رأس هذه الأزمات وما خلفته وستتركه من آثار على الاجتماع والتربية والثقافة والصحة والأمن.
لا شك في أن الضرورة ملحة لحل النزاع العربي - الإسرائيلي والإسرائيلي - الفلسطيني، وتحتم وسط هذا المشهد العمل على عقد مؤتمر دولي أوسع كون المبادرات الجزئية، وكما أثبتت التجارب القديمة والجديدة والوقائع المستجدة، تسعّر المشكلة عوض تسهيل الحل.
الرؤية الشاملة المتكاملة لمشاكل المنطقة المبنية على تفاهمات إقليمية إزاء الملفات الأمنية والسياسية وأبرزها أسلحة الدمار الشامل، مكافحة الإرهاب والقوى التي تعمل على تقويض الاستقرار الدائم في المنطقة، وبعد ذلك الانطلاق نحو معالجة المشاكل المزمنة والقديمة على رأسها قضايا مثل الحوكمة الصالحة والفساد والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
من دون هذا الإطار الإقليمي سيستمر الاضطراب والتفكك السريع أحياناً والبطيء أحياناً أخرى وفي أكثر من منطقة.
فرنسا جديرة من دون شك بقيادة مؤتمر دولي لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، إنما مؤتمر الضرورة هو المؤتمر الدولي الموسع بقيادة أميركية، والأفضل إذا أمكن قيادة أميركية - روسية إذا رغبت موسكو في التفاهم مع واشنطن. والأفضل أيضاً إذا دعيت الصين إلى هذا المؤتمر.
بالطبع، يصعب جمع القوى الإقليمية حول طاولة واحدة تحت ضغط الأوضاع والنزاعات القائمة، إنما يصعب على هذه القوى أن تقاوم الضغوط الدولية للدول الكبرى إذا تمكنت واشنطن من إقناع موسكو بالمشاركة في رعاية هذا المؤتمر.
ولا يزال بإمكان الدور الأميركي المتردد والمتراجع منذ بداية عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، تغيير المعادلة شرط اعتماد مقاربة جديدة واقعية حازمة لأزمات المنطقة وأدوار الدول في الإقليم.
وصارت دول المنطقة كلها في حاجة إلى من يعيدها إلى أحجامها الطبيعية. وتعتبر حال الانتفاخ المرضي والمصطنع أحياناً كثيرة من المسببات الرئيسية لنزاعات المنطقة، ووحدهما واشنطن وموسكو قادرتان على إعادة هذه الدول إلى أحجامها الحقيقية.
وكما أن الدور الأميركي في النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني هو حجر الزاوية لأي حل لهذا النزاع، كذلك الموقف الأميركي من التجاذب السنّي - الشيعي الحاد والتوتر السعودي - الإيراني هو حجر الزاوية لحل المشاكل الإقليمية.
ينبغي أن تعرف واشنطن حقيقة الأحجام والأدوار والسياسات للأطراف المتنازعة في الإقليم وتعمل على تصويبها نحو الاستقرار والحداثة والديموقراطية وحكم القانون، وهو ما يخدم حقاً مصالح واشنطن وحلفائها.
* إعلامي لبناني
** ديبلوماسي كندي سابق، مدير برنامج الشرق الأوسط والمتوسط في مركز توليدو - إسبانيا
 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,782,841

عدد الزوار: 6,914,745

المتواجدون الآن: 123