«الدولة الإسلامية» تلاحق إسلاميي المغرب

تاريخ الإضافة الجمعة 18 تموز 2014 - 8:35 ص    عدد الزيارات 537    التعليقات 0

        

 

«الدولة الإسلامية» تلاحق إسلاميي المغرب
ڤيش سكثيفيل
ڤيش سكثيفيل هي زميلة الجيل القادم في معهد واشنطن.
أقدمَ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» [«داعش»] مؤخراً على اختصار اسمه إلى «الدولة الإسلامية» معلناً "العودة إلى الخلافة الإسلامية". وبالرغم من تركيزه بالاسم فقط على بلاد الشام والمشرق العربي، إلا أن التنظيم يضع أيضاً المغرب العربي نصب عينيه. ففي شريط مصور أصدرته الجماعة في وقت سابق من هذا الشهر، أدانت عدة عناصر من التنظيم شخصيات إسلامية بارزة في دولة المغرب، مسلّطة بذلك الضوء على التداعيات البعيدة الأثر للأزمتين العراقية والسورية.
من الذي كان مستهدفاً، ولماذا
المفاجئ في الأمر هو أنّ العاهل المغربي محمد السادس الذي يستهدفه الجهاديون في خطاباتهم باستمرار - وآخرهم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» - لم يرد اسمه في الخطبة المصورة لتنظيم «الدولة الإسلامية». لكن المغربيين الذين اختارهم التنظيم موضوعاً لانتقاداته لم يكونوا فعلاً مصدر مفاجأة.
وأول هؤلاء هو الشيخ عمر الحدوشي، العضو السابق في حركة «السلفية الجهادية» في المغرب. ففي محاولةٍ لدمج السلفيين المتطرفين في المجتمع، أظهر الملك خلال الأعوام الماضية تساهلاً تجاه السلفيين المعتقلين بتهمة الضلوع في تفجيرات الدار البيضاء عام 2003 ومن ضمنهم الحدوشي. وفي المقابل خفف هؤلاء السلفيين - لا بل قلبوا رأساً على عقب - انتقاداتهم الموجهة ضد الملك (لمعرفة المزيد عن هذا الاتجاه، إقرأ مقالة معهد واشنطن "هل السلفيون السياسيون في المغرب ملتزمون بالسلام؟"). وفي الواقع أن الشيخ الحدوشي تبنى نهجاً ملكياً جديداً حيث اعترض في كثير من الأحيان على انخراط الشباب المغربي في "الجهاد في سوريا". وفي الأول من تموز/يوليو، استشهد الشيخ الحدوشي أيضاً بالحديث النبوي الشريف في قوله "من بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا" ليبرهن عدم شرعية أي مبايعة لـ "خليفة" «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي.
وردّاً على ذلك، ندد شريط «الدولة الإسلامية» المصور تنديداً شديد اللهجة بتعاون الشيخ الحدوشي مع العاهل المغربي في سعيه لإثناء الشبان عن الانضمام للقتال - خصوصاً وأن الخطوات التي اتخذها الملك لمكافحة التطرف والحد من تجنيد المغاربة للقتال في سوريا شكلت له نوعاً من المنبر الارتجالي على الساحة الإقليمية. كما شكى الفيديو من أن الشيخ الحدوشي آثر دعم "إخوانه الديمقراطيين ومساندتهم في محنتهم" على دعم "مبادرات الجهاديين الحقيقيين". هذا واستهدف الشريط بانتقاداته اثنين من قادة «السلفية الجهادية» الآخرين، هما أبو حفص وحسن الكتاني.
بالإضافة إلى ذلك، هاجمت «الدولة الإسلامية» في شريطها المصور «حزب العدالة والتنمية» المغربي - وهو فصيل إسلامي معارض ومناصر للملك - واصفةً عضو الحزب ووزير العدل المغربي مصطفى الرميد بأنه "وزير اللاعدل". وهذا لم يكن مستغرباً أيضاً، فمع أن جذور «حزب العدالة والتنمية» مستمدة من حركة «الشبيبة الإسلامية» السرية والمعارضة لمبادئ السلطة التقليدية، إلا أن أعضاءه تخلوا عن الأحاديث حول "دولة إسلامية" وحتى الشريعة، وفضّلوا المشاركة في الحياة السياسية على افتراض أنهم يعتبرون أن بوسعهم اتخاذ "خطوات صغيرة" إسلامية من الداخل. أضف إلى أن الوزير مصطفى الرميد - الذي كان سابقاً مناهضاً شرساً للملك - بوصفه وزيرٍاً للعدل اتخذ عدة قرارات تتماشى مع سياسة القصر. وأشهر هذه القرارات هو ذلك الذي اتخذه حينما كانت انتفاضات عام 2011 وإجراءات القمع الحكومية في أوجها، حيث سعى إلى التغطية على أعمال التعذيب التي ارتكبها عملاء القصر ونفى علناً وجود سجناء سياسيين في البلاد.
ومن بين الذين استهدفهم الشريط المصور لتنظيم «الدولة الإسلامية»، المرشد الأعلى للحركة الإسلامية الممنوعة «العدل والإحسان» الراحل الشيخ عبد السلام ياسين. فهو الذي كان قيادياً بارزاً في "زاوية"* صوفية مغربية، وصفه الشريط المصور بأنه زائف و"مشرك". وفي الواقع أن هذا الاتهام شائع ضد المتصوفين الذين يتشفع الكثير منهم بالقديسين المحليين. فهذا التشفع بالقديسين والحج إلى المقامات الدينية اندمج مع الطقوس المغربية العادية، مما أثار انزعاج السلفيين وسائر المتطرفين في البلاد. كما شكل حافزاً للجماعات الإسلامية عبر الوطنية التي تسعى إلى الحط من شأن الإسلام المغربي. والأهم من ذلك هو أن المتصوفين المغاربة - بمن فيهم الشيخ ياسين الذي سعى إلى أسلمة البلاد شيئاً فشيئاً - لطالما كانوا حصناً منيعاً وغير متعاطفين مع المقاربات القرآنية الحرفية التي تعتمدها الحركات الجهادية. ولذلك لم يكن القرار باستهداف الشيخ ياسين مفاجئاً هو أيضاً: فمع أنه كان معارضاً حازماً للملك (وحركة «العدل والإحسان» لا تزال تعارض الملك) لاعتقاده بأن الأنظمة الملكية تتعارض مع تعاليم الإسلام، لكن حتى هذا الموقف لم يكن كافياً بالنسبة لـ «الدولة الإسلامية».
تهديد المغرب
في أعقاب التعليقات المعادية للشيخ ياسين والإسلاميين الآخرين، ظهر في الشريط المصور ثمانية أعضاء مغاربة من «الدولة الإسلامية» حذّروا فيه بتكلمهم باللهجةٍ العربية والمغربية ("الدارجة") على حد سواء من أنهم "ينوون أخذ الجهاد إلى الأرض المغربية"، مضيفين أنهم مسرورون "لقدرتهم على معاونة الخلافة الإسلامية" وأنهم "مستعدون لإرساء نظام الحكم هذا في المغرب."
وتكتسب مثل هذه الرسائل أهميةً خاصة لسببين – أولاً، أنها تثبت المقاربة الاستبعادية للتنظيم تجاه الإسلام والحكم الإسلامي - ففي حين هاجم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بالدرجة الأولى العاهل المغربي "المعاصر" وغير الإسلامي، وجّهت «الدولة الإسلامية في العراق والشام»/«الدولة الإسلامية» انتقاداتها للإسلاميين أولاً ووصفتهم بالمقصّرين والزائفين وحتى بالكفار؛ ثانياً، أنها توسّع نطاق التهديد الذي تشكله «الدولة الإسلامية» على الدولة المغربية والمغرب العربي بأجمعه. فعلى سبيل المثال، في 29 حزيران/يونيو أقدمت الناشطة السلفية المغربية المعروفة أم آدم فتيحة المجاطي الملقبة باسم "الأرملة السوداء لـ تنظيم «القاعدة»"، بمبايعة أبو بكر البغدادي عبر موقع تويتر واعتبرته خليفة للمسلمين وخولته لقب أمير المؤمنين - علماً أن هذا اللقب مخصص للملك في دولة المغرب، وقد حذا حذوها بعض السلفيين الآخرين في البلاد. وفي 9 تموز/يوليو أرسلت المجاطي تغريدة عبر موقع تويتر أعلنت فيها أنها قد انتقلت إلى سوريا للانضمام إلى «داعش» - وهذا تطور مقلق ومعبّر في آنٍ واحد. ويشار إلى أن زوجها كريم المجاطي كان مؤسس «الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة» ذات السمعة السيئة وقد لقي مصرعه في المملكة العربية السعودية. والأرجح أن وجود مثل هذه الشخصيات وقدرتها على التأثير على الأتباع الآخرين هو ما دفع الشيخ الحدوشي، الذي بات ثقلاً في المملكة ضد القوى السلفية المتطرفة، إلى الاعتراض علناً على إعلان تنظيم «الدولة الإسلامية» للخلافة.
وفي حين لم يتأثر المغاربة العاديون في الظاهر بتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»/«الدولة الإسلامية»، حرصت هذه الجماعة على تغطية كافة جوانب المسألة من خلال مهاجمة مجموعة كبيرة من الشخصيات الإسلامية المحلية: فوفقاً لما ورد في خطاب التنظيم، لا يوجد نوع من الإسلام او الإسلام السياسي "الحقيقي" في المملكة المغربية. وقد أوضح الشريط المصور نوايا التنظيم في المغرب وسعى إلى إبعاد الشباب المغربي عن الخيارات الإسلامية/الإسلامية السياسية غير العنيفة المتعددة في بلادهم، سواء كان ذلك أحدث منحى سلفي مناصر للملك - المسار السياسي لـ «حزب العدالة والتنمية» - أو المسار الناشط لحركة «العدل والإحسان». وقد سبق أن تم تجنيد المواطنين المغاربة في عدة حركات متشددة تقاتل في سوريا بما فيها «حركة شام الإسلام» ذات الغالبية المغربية، وذراع تنظيم «القاعدة» - «جبهة النصرة»، و «أحرار الشام»، وتنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يضم نحو ألف عضو مغربي (لمعرفة المزيد عن هذا التجنيد، انظر "تحمل المغاربة العائدين من سوريا").
وفي خضم ذلك لم تصدر المملكة المغربية بعد أي تصريح حول شريط فيديو «الدولة الإسلامية» نفسه. وسيكون رد الملك معبّراً من ناحيتين: الأولى هي كيفية ترسيخ الرباط لمركزها كسلطة سياسية إقليمية، والثانية هي ما إذا كانت ستعزز استخدام الأدوات الرمزية/الخطابية لمكافحة التجنيد والتطرف على أرضها. ولعل القرار الذي أصدره العاهل المغربي مؤخراً حول منع الزعماء الدينيين من المشاركة في أي نوع من النشاطات أو التحالفات السياسية قد يكون مؤشراً على هذه الناحية الثانية.
التداعيات على السياسة الأمريكية
نظراً للاتجاهات الإقليمية الراهنة - مع وصول تداعيات الأحداث في بلاد الشام إلى المغرب العربي بصورة متكررة على مر الزمن، وغياب الاستقرار في الساحل الأفريقي - يتعين على المملكة المغربية أن تستعد لإمكانية نشوء معارضة عنيفة وعازمة في السنوات المقبلة. فتنظيم «الدولة الإسلامية» يعوّل أكثر فأكثر على افتراضه الاستعلائي بأن نسبة كبيرة من مسلمي العالم يدعمون قضيته، وهذا ما يشجعه أكثر على توسيع أنشطة التجنيد في دول المغرب العربي. كما أن الجماعات المتطرفة قد لجأت إلى جيوب في عدة دول في المنطقة، واتخذت من المساحات غير المحكومة في الساحل الإفريقي الشاسع جحراً لها.
وتجدر الإشارة إلى أن دول المغرب العربي تحمل أهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، وتعزى هذه الأهمية بشكل كبير إلى الاستقرار النسبي الذي تنعم به هذه الدول وسط منطقة متزعزعة، وإلى التزامها بالعلاقات الودية مع واشنطن وتفانيها في قمع النفوذ المتنامي لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». ومع أن المملكة المغربية، الحليف البارز في هذا المجال، ليست متضررة بشدة من الإرهاب المحلي في الوقت الحاضر، إلا أن مواطنيها يجنَّدون في الحركات العنيفة بانتظامٍ مقلق. فقد شهد عدد المغاربة في العراق وسوريا ارتفاعاً مفاجئاً في العام الماضي وحده.
من هذا المنطلق، وحتى إن لم تظهر بصمات «الدولة الإسلامية» بوضوح في هذه المنطقة اليوم أو غداً، فإنّ التطورات الراهنة داخل المملكة المغربية وحولها تلقي الضوء على الحاجة للتحرك بسرعة. ويتعين على واشنطن والرباط على وجه الخصوص، أن تعززا من مشاركتهما البينية للمعلومات الاستخباراتية فيما يتعلق بتجنيد المواطنين في الحركات المتطرفة المسلحة. كما يجب على الولايات المتحدة أن تستمر بدعم المملكة المغربية وغيرها من حكومات المغرب العربي في إطار مكافحة التطرف وغيرها من المبادرات الوقائية الهامة، فضلاً عن استجواب الموقوفين حول العوامل التي دفعتهم إلى مغادرة المملكة المغربية وجذبتهم إلى الحرب السورية. بالإضافة إلى ذلك، بوسع القصر الملكي أن يقدم الحوافز لإقناع العدد المتضخم - إنما القابل للسيطرة حتى الآن - من الجهاديين العائدين إلى الديار بالتخلي عن أسلوب حياتهم، وأن يتصدى للعوامل التي دفعتهم إلى المغادرة. وأخيراً، بما أن التجنيد يتم بالدرجة الأولى في صفوف الشباب المتطرف، تستطيع واشنطن أن تشجع الحكومة المغربية على رفع الأصوات المشابهة لصوت الشيخ الحدوشي والتي يمكن أن تغطي على أصوات بعض الشخصيات أمثال المجاطي.
 
* الزاوية المغربية هي مؤسسة دينية وعلمية واجتماعية، تبلورت أنشطتها وخصوصياتها منذ القرن 8 /14م
 
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,078,273

عدد الزوار: 6,751,728

المتواجدون الآن: 105